لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا زَمَانٌ تُخْفَقُ أَبْوَابُهَا. زَادَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ: لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا يَلْبَثُونَ فِيهَا أَحْقَابًا. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَهَنَّمُ أَسْرَعُ الدَّارَيْنِ عُمْرَانًا وَأَسْرَعُهُمَا خَرَابًا. انْتَهَى التَّلْخِيصُ.
وَنَقَلَ الْآلُوسِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: يَأْتِي عَلَى جَهَنَّمَ يَوْمٌ مَا فِيهَا مِنِ ابْنِ آدَمَ أَحَدٌ تُصْفَقُ أَبْوَابُهَا كَأَنَّهَا أَبْوَابُ الْمُوَحِّدِينَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ الْأَقْوَالَ فِي الْآيَةِ وَالرِّوَايَاتِ فِي كُلِّ قَوْلٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: أَخْبَرَنَا اللهُ بِمَشِيئَتِهِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فَعَرَفْنَا ثُنْيَاهُ بِقَوْلِهِ: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١١: ١٠٨) أَنَّهَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّةِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: وَلَمْ يُخْبِرْنَا بِمَشِيئَتِهِ فِي أَهْلِ النَّارِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مَشِيئَتُهُ فِي الزِّيَادَةِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ فِي النُّقْصَانِ اهـ.
وَقَدْ لَخَّصَ صَاحِبُ (جَلَاءِ الْعَيْنَيْنِ) مَا وَرَدَ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي انْتِهَاءِ عَذَابِ النَّارِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي شَرْحِ عَقِيدَةِ الْإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ مَا نَصُّهُ:
(السَّابِعُ) أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُخْرِجُ مِنْهَا مَنْ شَاءَ كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ ثُمَّ يُبْقِيهَا مَا يَشَاءُ ثُمَّ يُفْنِيهَا، فَإِنَّهُ جَعَلَ لَهَا أَمَدًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ. (الثَّامِنُ) أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُخْرِجُ مِنْهَا مَنْ شَاءَ - كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ - وَيُبْقِي فِيهَا الْكُفَّارَ بَقَاءً لَا لِانْقِضَاءٍ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ يَعْنِي الطَّحَاوِيَّ. وَمَا
عَدَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَلْيُنْظَرْ فِي دَلِيلِهِمَا. ثُمَّ أَوْرَدَ آيَةَ الْأَنْعَامِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا ثُمَّ آيَةَ هُودٍ الَّتِي لَخَّصْنَا مَا وَرَدَ فِيهَا بِمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَقُولُ: عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بُنِيَتِ الْأَقْوَالُ وَالْمَذَاهِبُ فِي أَبَدِيَّةِ النَّارِ وَعَدَمِ نِهَايَتِهَا، وَفِي ضِدِّهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَنَّهَا تَفْنَى كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ وَيَنْتَهِي عَذَابُهَا، أَوْ يَتَحَوَّلُ إِلَى نَعِيمٍ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجِيلِيُّ مِنَ الصُّوفِيَّةِ.
تَفْصِيلُ ابْنِ الْقَيِّمِ لِلْمَسْأَلَةِ:
وَقَدِ اسْتَوْفَى ذَلِكَ بِالْإِسْهَابِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ (حَادِي الْأَرْوَاحِ) فَقَالَ:
(فَصْلٌ) وَأَمَّا أَبَدِيَّةُ النَّارِ وَدَوَامُهَا فَقَالَ فِيهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فِيهَا قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ عَنِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ عَنِ التَّابِعِينَ. قُلْتُ هَاهُنَا أَقْوَالٌ سَبْعَةٌ:
(أَحَدُهَا) أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا، بَلْ كُلُّ مَنْ دَخَلَهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا، بَلْ كُلُّ مَنْ دَخَلَهَا مُخَلَّدٌ فِيهَا أَبَدَ الْآبَادِ بِإِذْنِ اللهِ وَهَذَا قَوْلُ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ أَهْلَهَا يُعَذَّبُونَ فِيهَا مُدَّةً ثُمَّ تَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ وَتَبْقَى طَبِيعَةً نَارِيَّةً لَهُمْ يَتَلَذَّذُونَ بِهَا لِمُوَافَقَتِهَا لِطَبِيعَتِهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ إِمَامِ الِاتِّحَادِيَّةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ الطَّائِيِّ (قَالَ فِي فُصُوصِهِ) الثَّنَاءُ بِصِدْقِ الْوَعْدِ لَا بِصِدْقِ الْوَعِيدِ، وَالْحَضْرَةُ الْإِلَهِيَّةُ تَطْلُبُ الثَّنَاءَ الْمَحْمُودَ بِالذَّاتِ فَيُثْنَى عَلَيْهَا بِصِدْقِ الْوَعْدِ لَا بِصِدْقِ الْوَعِيدِ بَلْ بِالتَّجَاوُزِ (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) (١٤: ٤٧)