للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ يَقُلْ وَعِيدَهُ، بَلْ قَالَ: (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) (٤٦: ١٦) مَعَ أَنَّهُ تَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَثْنَى عَلَى إِسْمَاعِيلَ بِأَنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ، وَقَدْ زَالَ الْإِمْكَانُ فِي حَقِّ الْحَقِّ لِمَا فِيهِ مِنْ طَلَبِ الْمُرَجِّحِ.

فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صَادِقُ الْوَعْدِ وَحْدَهُ وَمَا لِوَعِيدِ الْحَقِّ عَيْنٌ تُعَايِنُ وَإِنْ دَخَلُوا دَارَ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُمْ عَلَى لَذَّةٍ فِيهَا نَعِيمٌ مُبَايِنٌ نَعِيمُ جِنَانِ الْخُلْدِ وَالْأَمْرُ وَاحِدٌ وَبَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّجَلِّي تَبَايُنٌ يُسَمَّى عَذَابًا مِنْ عُذُوبَةِ طَعْمِهِ وَذَاكَ لَهُ كَالْقِشْرِ وَالْقِشْرُ صَايِنٌ

وَهَذَا فِي طَرَفٍ، وَالْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ عَلَى اللهِ أَنْ يُخْلِفَ وَعِيدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْذِيبُ مَنْ تَوَعَّدَهُ بِالْعَذَابِ فِي طَرَفٍ، فَأُولَئِكَ عِنْدَهُمْ لَا يَنْجُو مِنَ النَّارِ مَنْ دَخَلَهَا أَصْلًا، وَهَذَا عِنْدَهُ لَا يُعَذِّبُ بِهَا أَحَدًا أَصْلًا. وَالْفَرِيقَانِ

مُخَالِفَانِ لِمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِهِ وَأَخْبَرَ بِهِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

(الثَّالِثُ) قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَهْلَهَا يُعَذَّبُونَ فِيهَا إِلَى وَقْتٍ مَحْدُودٍ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَيَخْلُفُهُمْ فِيهَا قَوْمٌ آخَرُونَ، وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الْيَهُودُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْذَبَهُمْ فِيهِ، وَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللهُ تَعَالَى - فِي الْقُرْآنِ - فِيهِ فَقَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٢: ٨٠، ٨١) وَقَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (٣: ٢٣، ٢٤) فَهَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَعْدَاءِ اللهِ الْيَهُودِ فَهُمْ شُيُوخُ أَرْبَابِهِ وَالْقَائِلِينَ بِهِ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى فَسَادِهِ. قَالَ تَعَالَى: (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (٢: ١٦٧) وَقَالَ: (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) (١٥: ٤٨) وَقَالَ: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا) (٢٢: ٢٢) وَقَالَ تَعَالَى: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) (٣٢: ٢٠) وَقَالَ تَعَالَى: (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا) (٣٥: ٣٦) وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) (٧: ٤٠) وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ اسْتِحَالَةِ دُخُوِلِهِمُ الْجَنَّةَ.

(الرَّابِعُ) قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَتَبْقَى نَارًا عَلَى حَالِهَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ يُعَذَّبُ، حَكَاهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ أَيْضًا يَرُدَّانِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>