للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الْخَامِسُ) قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: بَلْ تَفْنَى بِنَفْسِهَا لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَمَا ثَبَتَ حُدُوثُهُ اسْتَحَالَ بَقَاؤُهُ وَأَبَدِيَّتُهُ. وَهَذَا قَوْلُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَشِيعَتِهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.

(السَّادِسُ) قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: تَفْنَى حَيَاتُهُمْ وَحَرَكَاتُهُمْ وَيَصِيرُونَ جَمَادًا لَا يَتَحَرَّكُونَ وَلَا يُحِسُّونَ بِأَلَمٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ إِمَامِ الْمُعْتَزِلَةِ طَرْدًا لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ.

(السَّابِعُ) قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: بَلْ يُفْنِيهَا رَبُّهَا وَخَالِقُهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ جَعَلَ لَهَا أَمَدًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ ثُمَّ تَفْنَى وَيَزُولُ عَذَابُهَا، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ نُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ

بْنُ حُمَيْدٍ وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَشْهُورِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ قَالَ عُمَرُ: لَوْ لَبِثَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ كَقَدْرِ رَمْلِ عَالِجٍ لَكَانَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَوْمٌ يُخْرَجُونَ فِيهِ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ لَبِثَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ لَكَانَ لَهُمْ يَوْمٌ يُخْرَجُونَ فِيهِ. ذُكِرَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ ثَابِتٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) (٧٨: ٢٣) فَقَدْ رَوَاهُ عَبْدٌ وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ وَعُلَمَاءِ السُّنَّةِ عَنْ هَذَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَحَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ وَكِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَسْبُكَ بِهِ، وَحَمَّادُ يَرْوِيهِ عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ وَكِلَاهُمَا يَرْوِيهِ عَنِ الْحَسَنِ، وَحَسْبُكَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ جَلَالَةً، وَالْحَسَنُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ فَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ لَمَا جَزَمَ بِهِ وَقَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ عَنْ عُمَرَ فَتَدَاوَلَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ لَهُ غَيْرَ مُقَابِلِينَ لَهُ بِالْإِنْكَارِ وَالرَّدِّ، مَعَ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ بِدُونِ هَذَا، فَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مِنَ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ لَكَانُوا أَوَّلَ مُنْكِرٍ لَهُ، قَالَ: وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عُمَرَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ جِنْسَ أَهْلِ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَأَمَّا قَوْمٌ أُصِيبُوا بِذُنُوبِهِمْ فَقَدْ عَلِمَ هَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُمْ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَأَنَّهُمْ لَا يَلْبَثُونَ قَدْرَ رَمْلِ عَالِجٍ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ، وَلَفْظُ أَهْلِ النَّارِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُوَحِّدِينَ، بَلْ يَخْتَصُّ بِمَنْ عَدَاهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ) وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا قَوْلَهُ تَعَالَى: (خَالِدِينَ فِيهَا) وَقَوْلَهُ: (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) بَلْ مَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ هُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ الَّذِي لَا يَقَعُ خِلَافُهُ، لَكِنْ إِذَا انْقَضَى أَجَلُهَا وَفَنِيَتْ كَمَا تَفْنَى الدُّنْيَا لَمْ تَبْقَ نَارًا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا عَذَابٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>