وَأَمَّا الشَّرُّ الَّذِي هُوَ الْعَذَابُ فَلَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَإِنْ دَخَلَ فِي مَفْعُولَاتِهِ لِحِكْمَةٍ إِذَا حَصَلَتْ زَالَ وَفَنِي، بِخِلَافِ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَائِمُ الْمَعْرُوفِ لَا يَنْقَطِعُ مَعْرُوفُهُ أَبَدًا وَهُوَ قَدِيمُ الْإِحْسَانِ أَبَدِيُّ الْإِحْسَانِ، فَلَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُحْسِنًا عَلَى الدَّوَامِ وَلَيْسَ مِنْ مُوجِبِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَنَّهُ لَا يَزَالُ مُعَاقِبًا عَلَى الدَّوَامِ، غَضْبَانَ عَلَى الدَّوَامِ، مُنْتَقِمًا عَلَى الدَّوَامِ، فَتَأَمَّلْ هَذَا الْوَجْهَ تَأَمُّلَ فَقِيهٍ فِي بَابِ أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ يَفْتَحُ لَكَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ.
يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ - وَهُوَ قَوْلُ أَعْلَمُ خَلِقِهِ بِهِ وَأَعْرَفُهُمْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ " وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ " وَلَمْ يَقِفْ عَلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مَنْ قَالَ الشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ. بَلِ الشَّرُّ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِوَجْهٍ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا فِي أَسْمَائِهِ، فَإِنَّ ذَاتَهُ لَهَا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَصِفَاتِهِ كُلَّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ يُحْمَدُ عَلَيْهَا وَيُثْنَى عَلَيْهِ بِهَا، وَأَفْعَالَهُ كُلَّهَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ وَحِكْمَةٌ لَا شَرَّ فِيهَا بِوَجْهٍ مَا، وَأَسْمَاءَهُ كُلَّهَا حُسْنَى، فَكَيْفَ يُضَافُ الشَّرُّ إِلَيْهِ؟ بَلِ الشَّرُّ فِي مَفْعُولَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ وَهُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، إِذْ فِعْلُهُ غَيْرُ مَفْعُولِهِ، فَفِعْلُهُ خَيْرٌ كُلُّهُ، وَأَمَّا الْمَخْلُوقُ الْمَفْعُولُ فَفِيهِ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، وَإِذَا كَانَ الشَّرُّ مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا غَيْرَ قَائِمٍ بِالرَّبِّ سُبْحَانَهُ فَهُوَ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ أَنْتَ لَا تَخْلُقُ الشَّرَّ حَتَّى يُطْلَبَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا نَفَى إِضَافَتَهُ إِلَيْهِ وَصْفًا وَفِعْلًا وَاسْمًا، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَّا الذُّنُوبَ وَمُوجَبَاتِهَا، وَأَمَّا الْخَيْرُ فَهُوَ الْإِيمَانُ وَالطَّاعَاتُ وَمُوجَبَاتُهَا وَالْإِيمَانُ وَالطَّاعَاتُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ سُبْحَانَهُ ; وَلِأَجْلِهَا خَلَقَ خَلْقَهُ وَأَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، وَهِيَ ثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ وَإِجْلَالُهُ وَتَعْظِيمُهُ وَعُبُودِيَّتُهُ، وَهَذِهِ لَهَا آثَارٌ تَطْلُبُهَا وَتَقْتَضِيهَا فَتَدُومُ آثَارُهَا بِدَوَامِ مُتَعَلِّقِهَا. وَأَمَّا الشُّرُورُ فَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا وَلَا هِيَ الْغَايَةَ الَّتِي خُلِقَ لَهَا الْخَلْقُ، فَهِيَ مَفْعُولَاتٌ قُدِّرَتْ لِأَمْرٍ مَحْبُوبٍ وَجُعِلَتْ وَسِيلَةً إِلَيْهِ، فَإِذَا حَصَلَ مَا قُدِّرَتْ لَهُ اضْمَحَلَّتْ وَتَلَاشَتْ وَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى الْخَيْرِ الْمَحْضِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ - أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ رَحْمَتَهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا وَفِيهِ رَحْمَتُهُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنْ يَرْحَمَ الْعَبْدَ بِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيُؤْلِمُهُ وَتَشْتَدُّ كَرَاهَتُهُ لَهُ ; فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَتِهِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ آنِفًا وَقَوْلَهُ تَعَالَى لِذَيْنَكِ الرَّجُلَيْنِ، رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا دَعَا لِمُبْتَلًى قَدِ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَقَالَ: اللهُمَّ ارْحَمْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute