السُّوءِ وَالظُّلْمِ وَاللَّوْمِ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَنِسْبَةِ الْعَدْلِ وَالْحَمْدِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ إِلَى رَبِّهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، يَسْتَعْطِفُ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ وَيَسْتَدْعِي رَحْمَتَهُ لَهُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْحَمَ عَبْدَهُ أَلْقَى ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ وَالرَّحْمَةَ مَعَهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا اقْتَرَنَ بِذَلِكَ جَزْمُ الْعَبْدِ عَلَى تَرْكِ الْمُعَاوَدَةِ لِمَا يُسْخِطُ رَبَّهُ عَلَيْهِ وَعَلِمَ اللهُ أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلَ قَلْبِهِ وَسُوَيْدَائِهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الرَّحْمَةُ مَعَ ذَلِكَ.
وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ آخِرَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَتَقَلَّبُ عَلَى الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ كَالْغُلَامِ يَضْرِبُهُ أَبُوهُ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، يَعْجَزُ عَنْهُ عَمَلُهُ أَنْ يَسْعَى فَيَقُولُ: يَارَبِّ بَلِّغْ بِي الْجَنَّةَ وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ. فَيُوحِي اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِ: عَبْدِي! إِنْ أَنَا نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ وَأَدْخَلْتُكَ الْجَنَّةَ أَتَعْتَرِفُ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: نَعَمْ يَارَبِّ وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ إِنْ نَجَّيْتَنِي مِنَ النَّارِ
لَأَعْتَرِفَنَّ لَكَ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ. فَيَجُوزُ الْجِسْرَ وَيَقُولُ الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَهُ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ لَيَرُدَّنِي إِلَى النَّارِ، فَيُوحِي اللهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي اعْتَرِفْ لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ أَغْفِرْهَا لَكَ وَأُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لَا وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ مَا أَذْنَبْتُ ذَنْبًا قَطُّ وَلَا أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً قَطُّ، فَيُوحِي اللهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي إِنَّ لِي عَلَيْكَ بَيِّنَةً فَيَلْتَفِتُ الْعَبْدُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَا يَرَى أَحَدًا، فَيَقُولُ يَارَبِّ أَرِنِي بَيِّنَتَكَ، فَيَسْتَنْطِقُ اللهُ تَعَالَى جِلْدَهُ بِالْمُحَقِّرَاتِ فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ الْعَبْدُ يَقُولُ: يَارَبِّ عِنْدِي وَعَزَّتِكَ الْعَظَائِمُ فَيُوحِي اللهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي أَنَا أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ اعْتَرِفْ لِي بِهَا أَغْفِرْهَا لَكَ وَأُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ. فَيَعْتَرِفُ الْعَبْدُ بِذُنُوبِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ) ثُمَّ ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ - يَقُولُ هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فَكَيْفَ بِالَّذِي فَوْقَهُ؟ فَالرَّبُّ تَعَالَى يُرِيدُ مِنْ عَبْدِهِ الِاعْتِرَافَ وَالِانْكِسَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْخُضُوعَ وَالذِّلَّةَ لَهُ وَالْعَزْمَ عَلَى مَرْضَاتِهِ. فَمَا دَامَ أَهْلُ النَّارِ فَاقِدِينَ لِهَذَا الرُّوحِ فَهُمْ فَاقِدُونَ لِرُوحِ الرَّحْمَةِ، فَإِذَا أَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْحَمَهُمْ أَوْ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ جَعَلَ فِي قَلْبِهِ ذَلِكَ فَتُدْرِكُهُ الرَّحْمَةُ، وَقُدْرَةُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى غَيْرُ قَاصِرَةٍ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنَاقِضُ مُوجَبَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ - أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْجَبَ الْخُلُودَ عَلَى مَعَاصِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَقَيَّدَهُ بِالتَّأْبِيدِ وَلَمْ يُنَافِ ذَلِكَ انْقِطَاعَهُ وَانْتِهَاءَهُ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (٤: ٩٣) وَمِنْهَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي قَاتِلِ نَفْسِهِ: " فَيَقُولُ اللهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute