قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَالْعُوفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ أَعْدَاءَ اللهِ كَانُوا إِذَا حَرَثُوا حَرْثًا أَوْ كَانَتْ لَهُمْ ثَمَرَةٌ جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْهُ جُزْءًا وَلِلْوَثَنِ جُزْءًا، فَمَا كَانَ مِنْ حَرْثٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ نَصِيبِ الْأَوْثَانِ حَفِظُوهُ وَأَحْصَوْهُ وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ فِيمَا سُمِّيَ لِلصَّمَدِ. رَدُّوهُ إِلَى مَا جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ. وَإِنْ سَبْقَهُمُ الْمَاءُ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ فَسَقَى شَيْئًا جَعَلُوهُ لِلَّهِ جَعَلُوا ذَلِكَ لِلْوَثَنِ. وَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرْثِ وَالثَّمَرَةِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ فَاخْتَلَطَ بِالَّذِي جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ قَالُوا هَذَا فَقِيرٌ وَلَمْ
يَرُدُّوهُ إِلَى مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ. وَإِنْ سَبَقَهُمُ الْمَاءُ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ فَسَقَى مَا سُمِّيَ لِلْوَثَنِ تَرَكُوهُ لِلْوَثَنِ. وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالْحَامِيَ فَيَجْعَلُونَهُ لِلْأَوْثَانِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحَرِّمُونَهُ قُرْبَةً لِلَّهِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا) الْآيَةَ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي الْآيَةِ: كُلُّ شَيْءٍ يَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ مِنْ ذَبْحٍ يَذْبَحُونَهُ لَا يَأْكُلُونَهُ أَبَدًا حَتَّى يَذْكُرُوا مَعَهُ أَسْمَاءَ الْآلِهَةِ وَمَا كَانَ لِلْآلِهَةِ لَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ مَعَهُ، وَقَرَأَ الْآيَةَ حَتَّى بَلَغَ (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) أَيْ سَاءَ مَا يَقْسِمُونَ ; لِأَنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوَّلًا فِي الْقَسْمِ ; لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ وَلَهُ الْمُلْكُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ وَفِي تَصَرُّفِهِ وَتَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ. ثُمَّ لَمَّا قَسَمُوا فِيمَا زَعَمُوا الْقِسْمَةَ الْفَاسِدَةَ لَمْ يَحْفَظُوهَا بَلْ جَارُوا فِيهَا بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ) (١٦: ٥٧) وَقَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) (٤٣: ١٥) وَقَالَ تَعَالَى: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى) (٥٣: ٢١، ٢٢) اهـ.
(وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ) هَذَا حُكَمٌ آخَرُ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الشِّرْكِ الَّتِي لَا يَسْتَحْسِنُهَا عَقْلٌ سَلِيمٌ، وَلَمْ تَسْتَنِدْ إِلَى شَرْعٍ إِلَهِيٍّ قَوِيمٍ، أَيْ وَمِثْلُ ذَلِكَ التَّزْيِينُ لِقِسْمَةِ الْقَرَابِينِ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ آلِهَتِهِمْ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شُرَكَاؤُهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ. فَأَمَّا الشُّرَكَاءُ هُنَا فَقِيلَ: هُمْ سَدَنَةُ الْآلِهَةِ وَخَدَمُهَا وَقِيلَ: بَلْ هُمُ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يُوَسْوِسُونَ لَهُمْ مَا يُزَيِّنُ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَرِيكًا لِأَنَّهُ يُطَاعُ وَيُدَانُ لَهُ فِيمَا لَا يُطَاعُ بِهِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، وَلِهَذَا التَّزْيِينِ وُجُوهٌ:
(أَحَدُهَا) اتِّقَاءُ الْفَقْرِ الْوَاقِعِ أَوِ الْمُتَوَقَّعِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ مَا بَيَّنَهُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (٦: ١٥١) وَالثَّانِي مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (١٧: ٣١) وَقَدَّمَ فِي الْأَوَّلِ رِزْقَ الْوَالِدَيْنِ عَلَى رِزْقِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ تَابِعٌ لِوَالِدِهِ فِي الرِّزْقِ الْحَالِّ، وَقَدَّمَ فِي الثَّانِي رِزْقَ الْأَوْلَادِ عَلَى رِزْقِ الْوَالِدَيْنِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَكَثِيرًا مَا يَعْجَزُ فِيهِ الْآبَاءُ عَنْ كَسْبِ الرِّزْقِ وَيَحْتَاجُونَ إِلَى إِنْفَاقِ أَوْلَادِهِمْ عَلَيْهِمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute