بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ وَرَدَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّكَاةِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَا يُمْكِنُ تَحْكِيمُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةٍ مَكِّيَّةٍ نَزَلَتْ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ الْمَذْكُورَةِ.
ثُمَّ قَالَ الرَّازِيُّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) بَعْدَ ذِكْرِ الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْعِنَبُ وَالنَّخْلُ وَالزَّرْعُ وَالزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْكُلِّ، وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ كَمَا كَانَ يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ. فَإِنْ قَالُوا لَفْظُ الْحَصَادِ مَخْصُوصٌ بِالزَّرْعِ فَنَقُولُ: لَفْظُ الْحَصْدِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِالزَّرْعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَصْدَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ، وَأَيْضًا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (يَوْمَ حَصَادِهِ) يَجِبُ عَوْدُهُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورَاتِ وَذَلِكَ هُوَ الزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَيْهِ. انْتَهَى بِعِبَارَتِهِ السَّقِيمَةِ، وَخَطَّأُ الْمَعْنَى فِيهَا أَشْنَعُ مِنْ خَطَأِ الْعِبَارَةِ، فَلَيْسَتِ الْآيَةُ فِي الزَّكَاةِ، وَالْحَصْدُ فِي اللُّغَةِ: جَزُّ الزَّرْعِ لَا مُطْلَقُ الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ مَجَازًا أَوْ تَغْلِيبًا، فَجَنْيُ الزَّيْتُونِ لَيْسَ مِنَ الْحَصْدِ وَلَا الْقَطْعُ، وَلَيْسَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَاجِبًا، وَالْآخِرُ هُوَ الرُّمَّانُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدِ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ وَحْدَهُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهِ وَحْدَهُ، فَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إِلَى جُمْلَةِ الْمَذْكُورَاتِ بِتَقْدِيرِ اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا، أَوْ إِلَى مَا يُحْصَدُ مِنْهُ حَقِيقَةً لَا تَغْلِيبًا وَهُوَ الزَّرْعُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ التَّفْسِيرُ الْمَأْثُورُ. ثُمَّ إِنَّ إِيجَابَهُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إِلَى الْأَخِيرِ يُبْطِلُ أَصْلَ دَعْوَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ بِالنَّصِّ لِذِكْرِ الْحَقِّ بَعْدَهَا، فَمَا أَضْعَفَ دَلَائِلَ هَذَا (الْإِمَامِ) الشَّهِيرِ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ الْمُلَقَّبِ بِالْكَبِيرِ.
وَسَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (٩: ١٠٣) مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِبَيَانِ السُّنَّةِ، وَمِنْهَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَحْصُرُ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَكَذَا الذُّرَةُ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِيهِ مَتْرُوكٌ يُعَضِّدُهُ مُرْسَلٌ لِمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ. وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهَا كَوْنُهَا الْقُوتَ الْغَالِبَ، فَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَكُونُ قُوتًا يُدَّخَرُ عِنْدَهُ مَنِ اتَّخَذُوهُ قُوتًا غَالِبًا كَالْأُرْزِ عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْيَابَانِ أَوْ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
تَقْدِيرُ الْأَوَّلِ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تُسْرِفُوا فِي الْأَكْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٧: ٣١) وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٥: ٩٠) فَالْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَالِاعْتِدَاءُ كَذَلِكَ،
وَالْحَدُّ الَّذِي يُنْهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute