للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ تَجَاوُزِهِ إِمَّا شَرْعِيٌّ كَتَجَاوُزِ الْحَلَالِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا إِلَى الْحَرَامِ، وَإِمَّا فِطْرِيٌّ طَبْعِيٌّ وَهُوَ تَجَاوُزُ حَدِّ الشِّبَعِ إِلَى الْبِطْنَةِ الضَّارَّةِ.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) لَا تُسْرِفُوا فِي الصَّدَقَةِ أَيْ فِي أَمْرِهَا، قَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ وَتَقْعُدُوا فُقَرَاءَ، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ جَذَّ نَخْلًا فَقَالَ: لَا يَأْتِينِي الْيَوْمَ أَحَدٌ إِلَّا أَطْعَمْتُهُ، فَأَطْعَمَ حَتَّى أَمْسَى وَلَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وَلَكِنَّ ثَابِتًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فِي حُكْمِ مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ - كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ مِرَارًا - وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ: كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاةِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ تَبَاذَرُوا وَأَسْرَفُوا فَأَنْزَلَ اللهُ (وَلَا تُسْرِفُوا) إِلَخْ. وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْإِسْرَافَ فِي أَمْرِ الصَّدَقَةِ مَنْعَهَا. فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ: (وَلَا تُسْرِفُوا) قَالَ: لَا تَمْنَعُوا الصَّدَقَةَ فَتَعْصُوا. وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ خَاصًّا بِالْحُكَّامِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الصَّدَقَاتِ. فَعَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) قَالَ: عُشُورَهُ. وَقَالَ لِلْوُلَاةِ: (وَلَا تُسْرِفُوا) لَا تَأْخُذُوا مَا لَيْسَ لَكُمْ بِحَقٍّ. فَأَمَرَ هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُؤَدُّوا حَقَّهُ، وَأَمَرَ الْوُلَاةَ بِأَنْ لَا يَأْخُذُوا إِلَّا الْحَقَّ.

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ يَشْمَلُ الْإِسْرَافَ فِي أَكْلِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ سَرَفٍ، وَفِي إِنْفَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا، فَالْإِسْرَافُ مَذْمُومٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْهُ وَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ أَيْ فِي نَفْسِهِ لَا فِي عِبَارَةِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ فِيهَا أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ - وَهُوَ كَمَا قَالَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَوْرِدِ الْآيَةِ وَسِيَاقِهَا ; وَلِذَلِكَ قَدَّمْنَاهُ وَأَيَّدْنَاهُ بِآيَتَيِ الْأَعْرَافِ وَالْمَائِدَةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ دَلَالَةَ اللَّفْظِ بِعُمُومِهِ مَعَ صَرْفِ النَّظَرِ عَنْ مَوْقِعِهِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ كُلِّ إِسْرَافٍ، وَنَاهِيكَ بِتَعْلِيلِ النَّهْيِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. وَقَدْ وَصَفَ اللهُ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ بِقَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (٢٥: ٦٧) وَقَالَ: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) (١٧: ٢٦) وَقَالَ: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (١٧: ٢٩) .

(وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا) أَيْ وَأَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً، وَهِيَ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ النَّاسُ الْأَثْقَالَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَهُوَ كِبَارُهَا - وَهِيَ كَالرَّكُوبَةِ لِمَا يُرْكَبُ لَا وَاحِدًا لَهُ مِنْ لَفْظِهِ - وَفَرْشًا: وَهُوَ مَا يُفْرَشُ لِلذَّبْحِ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعِزِ وَكَذَا صِغَارُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، أَوْ مَا يُتَّخَذُ الْفَرْشُ مِنْ صُوفِهِ وَوَبَرِهِ وَشَعْرِهِ، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْحَمُولَةَ مَا حُمِلَ عَنِ الْإِبِلِ وَالْفَرْشُ صِغَارُهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتِلْمِيذِهِ مُجَاهِدٍ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّ الْحَمُولَةَ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>