للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصَايَا التَّوْرَاةِ مِنَ الْفَصْلِ الْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ لِيُعْرَفَ بِهِ صِحَّةُ قَوْلِنَا وَغِشُّ كَعْبٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ:

" أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ (١) لَا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي (٢) لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَلَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَلَا مَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ لَا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ، لِأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ إِلَهٌ غَيُّورٌ أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الْآبَاءِ

فِي الْأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ (٣) لَا تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِكَ بَاطِلًا، لِأَنَّ الرَّبَّ لَا يُبَرِّئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلًا (٤) اذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ، سِتَّةُ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ، لَا تَصْنَعْ عَمَلًا مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ، لِأَنَّ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ ; لِذَلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ (٥) أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلَهُكَ (٦) لَا تَقْتُلْ (٧) لَا تَزْنِ (٨) لَا تَسْرِقْ (٩) لَا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ (١٠) لَا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ لَا تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلَا عَبْدَهُ وَلَا أَمَتَهُ وَلَا ثَوْرَهُ وَلَا حِمَارَهُ وَلَا شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ ".

وَلَمَّا كَانَ جُلُّ هَذِهِ الْوَصَايَا وَتِلْكَ هِيَ أُصُولَ دِينِ اللهِ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ، حَكَمْنَا بِأَنَّ كَلَامَ الْكَشَّافِ فِي تَقْدِيرِهِ الْعَطْفُ وَجِيهٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَحْدَهُ يُعِدُّهُ تَكَلُّفًا. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّورَى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) (٤٢: ١٣) وَلَيْسَ الدِّينُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى مُوصِيًا بِهِ هَؤُلَاءِ الرُّسُلَ وَغَيْرَهُمْ إِلَّا التَّوْحِيدَ وَأُصُولَ الْفَضَائِلِ وَالنَّهْيَ عَنْ كَبَائِرِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ الْمَذْكُورَةِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي نَفْسِ الْآيَةِ: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) كَمَا قَالَ فِي آخِرِ وَصَايَا الْأَنْعَامِ: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فَبِهَذَا التَّشَابُهِ يَقْوَى كَوْنُ الْخِطَابِ بِالْوَصِيَّةِ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ خَاتَمُ الرُّسُلِ، وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِهَا مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي آيَةِ الشُّورَى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) مَعْنَاهُ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا لِلنِّعْمَةِ وَالْكَرَامَةِ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ فِي اتِّبَاعِهِ وَاهْتَدَى بِهِ، كَمَا قَالَ فِي أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (٥: ٣) وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى آتَيْنَاهُ الْكِتَابَ تَمَامًا كَامِلًا جَامِعًا لِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ كَقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>