(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (٧: ١٤٥) جَزَاءً عَلَى إِحْسَانِهِ أَوْ تَمَامًا عَلَى إِحْسَانِهِ - التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ لِابْنِ كَثِيرٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) (٢: ١٢٤) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) (٣٢: ٢٤) وَالثَّانِي عَزَاهُ إِلَى ابْنِ جَرِيرٍ عَلَى
جَعْلِ (الَّذِي) مَصْدَرِيَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا) (٩: ٦٩) أَيْ كَخَوْضِهِمْ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَثَبَّتَ اللهُ مَا آتَاكَ مِنْ حُسْنٍ ... فِي الْمُرْسَلِينَ وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا
وَمَا قَدَّرْنَاهُ أَوَّلًا أَبْعَدُ عَنِ التَّكَلُّفِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ) عَامٌّ فِي بَابِهِ، أَيْ مُفَصِّلًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ كَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْمَدَنِيَّةِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالْحَرْبِ (وَهُدًى وَرَحْمَةً) أَيْ عَلَمًا مِنْ أَعْلَامِ الْهِدَايَةِ وَسَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الرَّحْمَةِ لِمَنِ اهْتَدَى بِهِ (لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) أَيْ آتَاهُ الْكِتَابَ جَامِعًا لِمَا ذَكَرَ لِيَعِدَ بِهِ قَوْمَهُ، وَيَجْعَلَهُمْ مَحَلَّ الرَّجَاءِ لِلْإِيمَانِ بِلِقَاءِ اللهِ تَعَالَى فِي دَارِ كَرَامَتِهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُهْتَدِينَ بِوَحْيِهِ.
(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) أَيْ وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي يُتْلَى عَلَيْكُمْ كِتَابٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ فَتَنْكِيرُهُ لِلتَّعْظِيمِ - أَنْزَلْنَاهُ كَمَا أَنْزَلْنَا الْكِتَابَ عَلَى مُوسَى، جَامِعًا لِكُلِّ أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ الثَّابِتَةِ الدَّائِمَةِ النَّامِيَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا فِي كِتَابِ مُوسَى، فَالْمُبَارَكُ مِنَ الْبَرَكَةِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ فِي الْخَيْرِ، قِيلَ: إِنَّهَا مِنْ بِرْكَةِ الْمَاءِ، وَقِيلَ: مِنْ بَرْكِ الْبَعِيرِ وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ مَزَايَا الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ (فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أَيْ فَاتَّبِعُوا مَا هَدَاكُمْ إِلَيْهِ، وَاتَّقُوا مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَحَذَّرَكُمْ إِيَّاهُ لِتَكُونَ رَحْمَتُهُ تَعَالَى مَرْجُوَّةً لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْكِتَابَ هُدًى وَرَحْمَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا يَلِي تَعْلِيلًا لِإِنْزَالِهِ.
(أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ) تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا التَّعْلِيلِ الَّذِي مَعْنَاهُ قَطْعُ طَرِيقِ التَّعَلُّلِ وَالِاعْتِذَارِ وَالْمَعْنَى - عَلَى الْخِلَافِ فِي تَقْدِيرِ مُتَعَلِّقِ " أَنْ " - أَنْزَلْنَاهُ لِئَلَّا تَقُولُوا، أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ تَقُولُوا أَوْ مَنْعًا لَكُمْ مِنْ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ مُعْتَذِرِينَ عَنْ شِرْكِكُمْ وَإِجْرَامِكُمْ: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ الْهَادِي إِلَى تَوْحِيدِ اللهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَطَرِيقِ طَاعَتِهِ وَتَزْكِيَةِ الْأَنْفُسِ مِنْ دَنَسِ الشِّرْكِ وَالرَّذَائِلِ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَإِنَّ حَقِيقَةَ حَالِنَا وَشَأْنِنَا أَنَّنَا كُنَّا غَافِلِينَ عَنْ دِرَاسَتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ لِجَهْلِنَا بِلُغَاتِهِمْ وَغَلَبَةِ الْأُمِّيَّةِ عَلَيْنَا - وَالْحَصْرُ إِنَّمَا يَصِحُّ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِمْ بِحَسَبِ عِلْمِهِمْ بِحَالِ الطَّائِفَتَيْنِ لِمُجَاوَرَتِهِمْ لَهُمْ - (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ) لِأَنَّنَا أَذْكَى أَفْئِدَةً وَأَعْلَى هِمَّةً وَأَمْضَى عَزِيمَةً،
وَقَدْ قَالُوا هَذَا فِي الدُّنْيَا كَمَا حَكَاهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute