للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا تُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ الْقَوِيمَ وَلُغَتَهُ، وَقَدْ صَارَ لِأُولَئِكَ الْبَاطِنِيَّةِ دَوْلَةٌ عَرَبِيَّةٌ فِي مِصْرَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَوْلَةٌ فِي بِلَادِ الْفُرْسِ، وَلَمْ تَسْتَطِعْ دَوْلَتُهُمْ فِي مِصْرَ أَنْ تَقْضِيَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا أَنْ تُعِيدَ

الْمَجُوسِيَّةَ وَتَجْعَلَ لَهَا مُلْكًا ; لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ لَهَا ظَاهِرٌ هُوَ الْإِسْلَامُ عَلَى مَذْهَبِ الشِّيعَةِ الَّذِي كَانَ مَذْهَبًا سِيَاسِيًّا فَصَارَ مَذْهَبًا دِينِيًّا، وَلَهَا بَاطِنٌ سِرِّيٌّ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا رُؤَسَاءُ الدُّعَاةِ - وَلَمَّا كَانَ الْمُنْتَحِلُونَ لَهَا مِنَ الْعَرَبِ وَالْبَرْبَرِ جَاهِلِينَ بِأَصْلِهَا وَبِمَا وُضِعَتْ لَهُ - غَلَبَتِ الصِّبْغَةُ الدِّينِيَّةُ فِيهَا عَلَى الصِّبْغَةِ السِّيَاسِيَّةِ، وَكَانَ عَاقِبَةُ دَعَوْتِهَا أَنْ مَرَقَ بَعْضُ الشِّيعَةِ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي الْبَاطِنِ، وَاتَّخَذُوا التَّعَالِيمَ الْبَاطِنِيَّةَ دِينًا يَدِينُونَ بِهِ فَيَقُولُونَ بِأُلُوهِيَّةِ بَعْضِ آلِ الْبَيْتِ وَيَعْبُدُونَهُمْ بِضُرُوبٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَيَتَأَوَّلُونَ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَأَوُّلًا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى تِلْكَ التَّعَالِيمِ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ أَنَّ الْغَرَضَ الْأَوَّلَ مِنَ الْقَوْلِ بِعِصْمَةِ بَعْضِ آلِ الْبَيْتِ ثُمَّ الْقَوْلِ بِأُلُوهِيَّةِ بَعْضِهِمْ هُوَ إِبْطَالُ دِينِ جَدِّهِمْ وَإِزَالَةُ مُلْكِهِ مِنْ آلِهِ وَسَائِرِ قَوْمِهِ. وَمِنَ الْغَرِيبِ أَنَّ الْبَاطِنِيَّةَ تَجَدَّدَ لَهَا دِينٌ جَدِيدٌ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأُلُوهِيَّةِ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ آلِ الْبَيْتِ وَهُوَ الْبَهَاءُ الْإِيرَانِيُّ وَالِدُ " عَبَّاس عَبْد الْبَهَاءِ " - وَبَقِيَ سَائِرُ الشِّيعَةِ مُسْلِمِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَبِأَنَّ مُحَمَّدًا خَاتَمُ رُسُلِ اللهِ، وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَزَالُ يَغْلُو فِي آلِ الْبَيْتِ غُلُوًّا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الشَّرْعِ فِيهِ، وَيَطْعَنُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَنْتَصِرُ بِذَلِكَ لِآلِ الْبَيْتِ، غَافِلًا عَنْ كَوْنِ أَئِمَّةِ آلِ الْبَيْتِ عَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ كَانُوا أَوْلِيَاءَ وَأَنْصَارًا لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّ هَذَا كَانَ تَقِيَّةً مِنْهُمْ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ فَلِمَاذَا لَا يَكُفُّونَ هُمْ عَنِ الشِّقَاقِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِالطَّعْنِ فِيهِمَا لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ؟ .

أَضْعَفُوا الْإِسْلَامَ بِهَذَا التَّفَرُّقِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الْقُرْآنُ، وَجَعَلَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيئًا مِنْ أَهْلِهِ، وَكُلُّ شِيعَةٍ وَفِرْقَةٍ تَظُنُّ أَنَّهَا بِهَذَا التَّفَرُّقِ وَالْخِلَافِ تَنْصُرُ الْإِسْلَامَ وَتُؤَيِّدُهُ، فَكَانَتْ عَاقِبَةُ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ ضَعُفَ مُلْكُهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ، وَكَادَتِ الْإِفْرِنْجُ تَسْتَعْبِدُ الدُّوَلَ وَالْإِمَارَاتِ الْإِسْلَامِيَّةَ كُلَّهَا، وَمِنْهَا مَا يُعَدُّ سُنِّيًّا وَمَا يُسَمَّى شِيعِيًّا إِمَامِيًّا وَمَا يُدْعَى شِيعِيًّا زَيْدِيًّا، وَنَحْمَدُ اللهَ أَنْ عَرَفَ جُمْهُورُهُمْ بِهَذَا الْخَطَرِ حَقِّيَّةَ مَا بَيَّنَّاهُ مِرَارًا، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ التَّفَرُّقَ كَانَ مِنْ فَسَادِ السِّيَاسَةِ، وَسَتَجْمَعُهُمُ السِّيَاسَةُ كَمَا فَرَّقَتْهُمُ السِّيَاسَةُ، إِلَّا مَنِ ارْتَدُّوا بِالْعَصَبِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ.

ضَعْفُ الْمَذَاهِبِ وَالدِّينِ وَدَسَائِسُ الْأَجَانِبِ فِي الْمُسْلِمِينَ:

ضَعُفَتْ فِي هَذَا الْعَصْرِ عَصَبِيَّةُ الْمَذَاهِبِ نَفْسُهَا وَلَا سِيَّمَا فِي الْفُرُوعِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا لَمْ تَعُدْ مِنْ وَسَائِلِ سَعَةِ الرِّزْقِ وَلَا عَرْضِ الْجَاهِ بِالْمَنَاصِبِ وَالْجُلُوسِ عَلَى مِنَصَّاتِ الْحُكْمِ - وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعَصَبِيَّةُ لِذَلِكَ - وَيَضْعُفُ الدِّينُ نَفْسُهُ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِحَقِيقَتِهِ صَارَ

عَامًّا، وَصِنْفُ الْعُلَمَاءِ أَعْمَاهُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>