للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا مُقَاوَمَةُ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْعِتْرَةِ وَغَيْرِهِمْ لِلْأُمَوِيِّينَ فَلِظُلْمِهِمْ وَجَعْلِهِمُ الْخِلَافَةَ مَغْنَمًا لَهُمْ وَإِرْثًا فِيهِمْ، وَمَغْرَمًا وَعَذَابًا عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، فَهَدَمُوا بِذَلِكَ قَاعِدَةَ الْقُرْآنِ فِي الشُّورَى وَجَعَلُوا إِمَامَةَ الدِّينِ وَخِلَافَةَ النُّبُوَّةِ مُلْكًا عَضُوضًا - كَمَا أَنْبَأَتْ أَحَادِيثُ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْإِمَامُ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ إِذْ سُئِلَ عَنْ سَبَبِ مُوَالَاتِهِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ جَدَّهُ الْأَعْلَى عَلِيًّا الْمُرْتَضَى أَوْلَى مِنْهُمَا بِالْخِلَافَةِ وَخُرُوجِهِ عَلَى هِشَامٍ الْأُمَوِيِّ ; إِذْ قَالَ لِسَائِلِهِ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَّاهُمَا جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، فَأَقَامَا الْحَقَّ

وَالْعَدْلَ فَتَوَلَّاهُمَا جَدُّهُ الْأَعْلَى لِأَنَّهُمَا قَامَا بِمَا كَانَ هُوَ يَقُومُ بِهِ وَكَانَ هُوَ قَاضِيهُمَا وَمُسْتَشَارُهُمَا - فَهُوَ (أَيْ زَيْدٌ) يَتَوَلَّاهُمَا كَمَا تَوَلَّاهُمَا جَدُّهُ وَهِشَامٌ لَيْسَ كَذَلِكَ. فَالْإِمَامُ زَيْدٌ وَأَتْبَاعُهُ مِنَ الْمُصْلِحِينَ الَّذِينَ يُلَقَّبُونَ فِي عُرْفِ هَذَا الْعَصْرِ بِالْفِدَائِيِّينَ الَّذِينَ يُقَاوِمُونَ الظُّلْمَ بِالثَّوْرَاتِ عَلَى الْجَائِرِينَ الظَّالِمِينَ، إِلَى أَنْ يَثُلُّوا عُرُوشَهُمْ. وَيُرِيحُوا الْأُمَمَ مِنْ جَوْرِهِمْ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ يَرْجِعُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى قَاعِدَةِ تَعَارُضِ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَجَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَقَاعِدَةِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ فِي مُقَاوَمَةِ الظُّلْمِ وَأَهْلِهِ لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى فِتْنَةِ التَّفَرُّقِ وَالشِّقَاقِ وَلَكِنَّهُمْ أَيَّدُوا الظَّالِمِينَ وَأَطَاعُوهُمْ بِشُبْهَةِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ حَتَّى ضَاعَ الْإِسْلَامُ وَشَرْعُهُ وَتَضَعْضَعَ كُلُّ مُلْكٍ لِأَهْلِهِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُحَكِّمُوا تَحْكِيمَهَا وَتَطْبِيقَهَا.

وَقَدْ رَفَضَ غُلَاةُ الشِّيعَةِ الْإِمَامَ زَيْدًا إِذْ أَبَى قَبُولَ مَا اشْتَرَطُوهُ عَلَيْهِ لِاتِّبَاعِهِ، وَهُوَ الْبَرَاءَةُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلِذَلِكَ سُمُّوا الرَّافِضَةَ، وَلِمَاذَا اشْتَرَطُوا الْبَرَاءَةَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ دُونَ عُثْمَانَ بَلْ دُونَ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ؟ ! إِنَّ أَكْثَرَ الشِّيعَةِ الصَّادِقِينَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ هَذَا وَلَوْ فَكَّرُوا فِيهِ لَعَرَفُوهُ وَعَرَفُوا بِمَعْرِفَتِهِ كَيْفَ جَرَفَهُمْ تَيَّارُ دَسَائِسِ الْمَجُوسِ أَصْحَابِ الْجَمْعِيَّاتِ السِّرِّيَّةِ الْعَامِلَةِ لِلِانْتِقَامِ لِلْمَجُوسِيَّةِ مِنَ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَطْفَأَ نَارَهَا وَثَلَّ عَرْشَ مُلْكِهَا عَلَى يَدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، اللَّذَيْنِ كَانَا يُفَضِّلَانِ آلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى آلِهِمَا، فَتِلْكَ الْجَمْعِيَّاتُ الْمَجُوسِيَّةُ بَثَّتْ دَسَائِسَهَا فِي الشِّيعَةِ لِأَجْلِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِزَالَةِ ذَلِكَ الِاتِّحَادِ الَّذِي بُنِيَ عَلَى أَسَاسِهِ مَجْدُ الْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ.

لَمْ تُوجَدْ فِي الدُّنْيَا جَمْعِيَّاتٌ أَدَقُّ نِظَامًا وَأَنْفَذُ سِهَامًا مِنْ جَمْعِيَّاتِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي أَسَّسَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَبَإٍ الْيَهُودِيُّ وَمَجُوسُ فَارِسَ لِإِفْسَادِ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ وَإِزَالَةِ مُلْكِ دُعَاتِهِ الْعَرَبِ فَقَدْ رَاجَتْ دَسَائِسُهَا فِي شِيعَةِ آلِ بَيْتِ الرَّسُولِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِمُلْكِ الْإِسْلَامِ، بَلْ رَاجَ بَعْضُهَا فِي سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْإِسْلَامَ كَانَ أَقْوَى فِي نَفْسِهِ فَبَيْنَمَا كَانَتْ تِلْكَ الدَّسَائِسُ تَعْمَلُ عَمَلَهَا فِي الْحِجَازِ وَالْمَغْرِبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ وَالْبَرْبَرِ كَانَ الْإِسْلَامُ يَنْتَشِرُ فِي أُمَّةِ الْفُرْسِ النَّبِيلَةِ، وَكُتُبُ السُّنَّةِ وَالتَّفْسِيرِ وَفُنُونِ الْعَرَبِيَّةِ تُدَوَّنُ فِي مُدُنِهَا بِأَقْلَامِ أَبْنَاءِ فَارِسَ وَمَنِ اسْتَوْطَنَ مِنَ الْعَرَبِ، وَتُنْشَرُ فِي مَشَارِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>