إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْتَدِئْهُمْ بِذَلِكَ، بَلْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْقِرَاءَةِ - فَجَوَابُهُ: أَنَّ عَدَمَ ابْتِدَاءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ عَلَى إِطْلَاقِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُبَيِّنًا لِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ كَمَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا مُحَالٌ. وَسُؤَالُ أُولَئِكَ الْأَفْرَادِ إِيَّاهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مِنْ نُصُوصِ الدِّينِ وَلَا مِنَ السُّنَّةِ الْعَمَلِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّتِهِ فَلِذَلِكَ اسْتَفْتَوْهُ فِيهِ، وَلَمْ يَسْتَفْتُوهُ فِي الْعَمَلِ عَلَى غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ لِنَصِّ الْقُرْآنِ فِي مَنْعِهِ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ وُصُولِ ثَوَابِ الصِّيَامِ وَوُصُولِ ثَوَابِ الذِّكْرِ، فَقَدْ بَيَّنَّا آنِفًا أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الصِّيَامِ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ مَنْ يَصُومُ عَنْ مَيِّتٍ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّيَامِ خَاصٌّ بِالْقَضَاءِ مِنَ الْوَلَدِ نِيَابَةً عَنِ الْوَالِدِ،
وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عَمِلَهُ لِنَفْسِهِ وَأَهْدَى ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، عَلَى أَنَّ هَذَا مِمَّا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ أَحَدًا مِنَ السَّلَفِ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ قَائِلٌ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ إِلَخْ. فَجَوَابُهُ: أَنَّ الَّذِي يُثْبِتُ مَا ذَكَرَ لِلسَّلَفِ أَجْدَرُ بِقَوْلِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَنَاهِيكَ بِهِ إِذَا كَانَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَالنَّفْيُ هُوَ الْأَصْلُ، وَحَسْبُ النَّافِي نَفْيُهُ لِلنَّقْلِ عَنْهُمْ فِي أَمْرٍ تَدُلُّ الْآيَاتُ الصَّرِيحَةُ عَلَى عَدَمِ شَرْعِيَّتِهِ، وَيَدُلُّ الْعَقْلُ وَمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ سِيرَتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَتَوَاتَرَ عَنْهُمْ أَوِ اسْتَفَاضَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الثَّوَابَ مِلْكٌ لِلْعَامِلِ إِلَخْ. فَلَمْ نَكُنْ نَنْتَظِرُهُ مِنْ أُسْتَاذِنَا وَمُرْشِدِنَا إِلَى اتِّبَاعِ النَّقْلِ فِي أُمُورِ الدِّينِ دُونَ النَّظَرِيَّاتِ وَالْآرَاءِ، عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ النَّظَرِيَّةَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ ; فَإِنَّ الثَّوَابَ أَمْرٌ مَجْهُولٌ بِيَدِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ كَأُمُورِ الْآخِرَةِ كُلِّهَا، فَإِنَّهَا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهَا. وَمَا وَعَدَ اللهُ تَعَالَى بِهِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ الْمُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ بِشُرُوطِهَا لَا يَعْرِفُونَ كُنْهَهُ وَلَا مُسْتَحِقَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ ; وَلِذَلِكَ أُمِرُوا بِأَنْ يَكُونُوا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَلَا يُوجَدُ فِي الْآيَاتِ وَلَا الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ ثَوَابَ عَمَلِهِ وَهُوَ فِي الدُّنْيَا كَمَا يَمْلِكُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ أَوِ الْقَمْحَ وَالتَّمْرَ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ، بَلْ ذَلِكَ جَزَاءٌ بِيَدِ اللهِ تَعَالَى أَعَدَّهُ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِحَسَبِ تَأْثِيرِ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ فِي إِعْدَادِ أَنْفُسِهِمْ لَهُ بِتَزْكِيَتِهَا وَجَعْلِهَا أَهْلًا لِجِوَارِهِ وَرِضْوَانِهِ كَمَا قَالَ: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى) (٢٠: ٧٥، ٧٦) (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (٨٧: ١٤) إِلَخْ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (٩١: ٩) (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (٩: ١٠٣) وَقَالَ: (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) (٦: ١٣٩)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute