هَذَا مُلَخَّصُ مَضْمُونِ الْقِصَّةِ أَوْ مُلَخَّصُ بَقِيَّتِهَا، وَأَمَّا مُلَخَّصُ مَا فِيهَا مِنَ الْعِبْرَةِ فَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنْفُسَنَا بِغَرَائِزِهَا وَاسْتِعْدَادِهَا لِلْكَمَالِ، وَمَا يَعْرِضُ لَهَا دُونَهُ مِنَ الْمَوَانِعِ فَيَصْرِفُهَا عَنْهُ إِلَى النَّقَائِصِ، وَأَنَّ أَنْفَعَ مَا يُعِينُنَا عَلَى تَرْبِيَّتِهَا عَهْدُ اللهِ إِلَيْنَا بِأَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ، وَأَلَّا نَعْبُدَ مَعَهُ الشَّيْطَانَ وَلَا غَيْرَهُ، وَأَنْ نَذْكُرَهُ وَلَا نَنْسَاهُ فَنَنْسَى أَنْفُسَنَا، وَنَغْفُلُ عَنْ تَزْكِيَتِهَا، وَصَقْلِهَا بِصِقَالِ التَّوْبَةِ كُلَّمَا عَرَضَ لَهَا مِنْ وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ مَا يُلَوِّثُهَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُتْرَكْ صَارَ صَدَأً وَطَبْعًا مُفْسِدًا لَهَا، وَمَا أَفْسَدَ أَنْفُسَ الْبَشَرِ وَدَسَّاهَا إِلَّا غَفْلَةُ عُقُولِهِمْ
وَبَصَائِرِهِمْ عَنْهَا، وَتَرْكُهَا كَالرِّيشَةِ فِي مَهَابِّ أَهْوَاءِ الشَّهَوَاتِ، وَوَسَاوِسِ شَيَاطِينَ الضَّلَالَاتِ، فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَعْرِفَ قِيمَتَهَا، وَيَحْرِصَ عَلَيْهَا أَشَدَّ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى مَا عَسَاهُ يَمْلِكُ مِنْ نَفَائِسِ الْجَوَاهِرِ، وَأَعْلَاقِ الذَّخَائِرِ، فَإِنَّ حِرْصَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ لِأَجْلِهَا، وَهُوَ يَبْذُلُهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي أَحْقَرِ مَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ. وَذَلِكَ بِأَنْ يَطْلُبَ لَهَا أَقْصَى مَا تَسْمُو إِلَيْهِ هِمَّتُهُ مِنَ الْكَمَالِ، وَيُحَاسِبُهَا كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ عَلَى مَا بَذَلَتْ مِنَ السَّعْيِ لِذَلِكَ، وَعَلَى مُكَافَحَةِ مَا يَصُدُّهَا عَنْهُ مِنَ الْأَهْوَاءِ وَالْوَسَاوِسِ، وَيَنْصُبُ الْمِيزَانَ الْقِسْطَ لِمَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهَا مِنَ الْآرَاءِ وَالْخَوَاطِرِ، لِيَعْرِفَ كُنْهَ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ فَيَلْتَزِمَهُمَا، وَأَضْدَادِهِمَا مِنَ الشَّرِّ وَالْبَاطِلِ فَيَجْتَنِبَهُمَا. وَلِيَتَدَبَّرَ مَا قَفَّى بِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ عَلَى الْقِصَّةِ مِنَ الْوَصَايَا فِي الْآيَاتِ الْآتِيَةِ.
الْإِشْكَالَاتُ فِي الْقِصَّةِ:
قَدْ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ اسْتِخْرَاجِ الْإِشْكَالَاتِ، وَالْجَوَابِ عَنْهَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّمَحُّلَاتِ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا جَرَوْا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ آدَمَ كَانَ نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَأَنَّ الرُّسُلَ مَعْصُومُونَ مِنْ مَعَاصِي اللهِ تَعَالَى، فَكَيْفَ وَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَأَغْوَاهُ؟ وَكَيْفَ أَقْسَمَ لَهُ فَصَدَّقَهُ فِيمَا يُخَالِفُ خَبَرَ اللهِ؟ وَكَيْفَ أَطْمَعَهُ فِي أَنْ يَكُونَ مَلِكًا أَوْ خَالِدًا فَطَمِعَ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ إِنْكَارَ الْبَعْثِ؟ وَإِذَا كَانَ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَكَيْفَ أَطَاعَهُ؟ وَهَلِ الْأَمْرُ لَهُ بِالْأَكْلِ مِنَ الْجَنَّةِ أَمْرُ وُجُوبٍ أَمْ إِبَاحَةٍ؟ وَهَلِ النَّهْيُ عَنِ الشَّجَرَةِ لِلتَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ - إِلَخْ. مَا هُنَالِكَ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْصِيَتَهُ كَانَتْ صُورِيَّةً. وَزَعَمَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِالْكَشْفِ أَوْ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ. وَلَا يَرِدُ عَلَى مَا أَوْرَدْنَاهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ - فَأَمَّا عَلَى جَعْلِ التَّأْوِيلِ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ، وَجَعْلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِلتَّكْوِينِ لَا لِلتَّكْلِيفِ، فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَمَا جَلَّيْنَاهُ فِيهِ يُقَرِّبُهُ مِنَ الْوَجْهِ الْآخَرِ. وَآدَمُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا رَسُولًا عِنْدَ بَدْءِ خَلْقِهِ اتِّفَاقًا، وَلَا مَوْضِعَ لِلرِّسَالَةِ فِي ذَلِكَ الطَّوْرِ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الرُّسُلِ وَمِنْ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا مُطْلَقًا، وَأَنَّ أَوَّلَ الرُّسُلِ نُوحٌ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَعِصْمَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute