أَعْوَانًا لَهُمْ عَلَى اسْتِعْبَادِ أُمَّتِهِمْ مُؤْمِنِينَ، مُعْتَصِمِينَ بِتَقْوَى اللهِ وَهَدْيِ كُتُبِهِ وَرُسُلِهِ مِنَ الطَّمَعِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ بِالْبَاطِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى، لَمَا خَانُوا اللهَ وَخَانُوا أَمَانَةَ أُمَّتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمُ اتِّبَاعًا لِشَهَوَاتِهِمْ، وَطَمَعًا فِي تَأَثُّلِ الْأَمْوَالِ وَالِادِّخَارِ لِأَوْلَادِهِمْ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٨: ٢٧، ٢٨) .
بَلْ قَالَ أَعْظَمُ فَيْلَسُوفٍ يَحْتَرِمُونَ عَقْلَهُ وَعِلْمَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْأَفْكَارَ الْمَادِّيَّةَ الَّتِي تَغَلَّبَتْ فِي أُورُبَّةَ عَلَى الْفَضَائِلِ قَدْ مَحَتِ الْحَقَّ مِنْ عُقُولِ أَهْلِهَا، فَلَا يَعْقِلُونَ مِنْهُ إِلَّا تَحْكِيمَ الْقُوَّةِ، وَسَتَتَخَبَّطُ بِهِ الْأُمَمُ وَيَتَخَبَّطُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ لِيَتَبَيَّنَ مَنْ هُوَ الْأَقْوَى فَيَكُونُ سُلْطَانَ الْعَالَمِ. هَذَا مَا سَمِعَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مِنَ الْفَيْلَسُوفِ هِرْبِرْتِ سِبِنْسَرْ (فِي١٠ أَغُسْطُسَ سَنَةَ ١٩٠٣) وَكَتَبَهُ عَنْهُ، وَقَدْ زَادَنَا فِي رِوَايَتِهِ اللَّفْظِيَّةِ لَهُ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّعُ هَذِهِ الْحَرْبَ الْعَامَّةَ الْوَحْشِيَّةَ، وَيُعِدُّهَا مِنْ سَيِّئَاتِ الْأَفْكَارِ الْمَادِّيَّةِ وَضِعْفِ الْفَضِيلَةِ. وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْهُ بِالْمَعْنَى مِنْ فَوَائِدَ أُخْرَى فِي رِحْلَتِنَا الْأُورُبِّيَّةِ (ج ٣ م ٢٣ مِنَ الْمَنَارِ) .
وَمِنَ الْمَصَائِبِ عَلَى الْبَشَرِ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِطِبِّ الدِّينِ الرُّوحِيِّ فِي هَذِهِ الْقُرُونِ الْأَخِيرَةِ لَا يَقِفُونَ فِيهَا عِنْدَ حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَمَا فَهِمَهُ مِنْهُ حَمَلَتُهُ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ، بَلْ زَادُوا وَمَا زَالُوا يَزِيدُونَ فِيهِ مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ، مَا جَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى دِينِهِمْ وَفِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا يُنَفِّرُونَهُمْ مِنْهُ - فَتَرَاهُمْ لَا يَتَّقُونَ الْوَسْوَاسَ الضَّارَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ فِي خَوَاطِرِهِمْ كَمَا يَجِبُ،
وَإِنَّمَا يَتَّبِعُونَ فِي الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ تَضْلِيلَ الدَّجَّالِينَ وَالدَّجَّالَاتَ، كَزَعْمِهِمْ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يُمْرِضُونَ الْأَجْسَادَ وَيَخْطِفُونَ الْأَطْفَالَ. وَأَنَّ لِهَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ صِلَةً بِهِمْ وَتَأْثِيرًا فِي حَمْلِهِمْ عَلَى تَرْكِ الضَّرَرِ وَالْمُسَاعَدَةِ عَلَى النَّفْعِ بِشِفَاءِ الْمَرْضَى وَرَدِّ الْمَفْقُودِينَ، وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ وَالْعُشَّاقِ، وَمِنْ ذَلِكَ الزَّارُ الَّذِي يُخْرِجُونَ بِهِ الشَّيَاطِينَ مِنَ الْأَجْسَادِ بِزَعْمِهِمْ، وَلِهَذِهِ الْخُرَافَاتِ مَضَارٌّ وَرَزَايَا كَثِيرَةٌ فِي الْأَبْدَانِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ. فَهِيَ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ كَبِيرَةٌ لِلْمَادِّيِّينَ عَلَى الْمُتَدَيِّنِينَ الْمُقَلِّدِينَ لِلْجُهَّالِ وَالدَّجَّالِينَ. وَالدِّينُ لَمْ يُثْبِتْ لِلشَّيَاطِينِ مَا يَزْعُمُهُ الدَّجَّالُونَ، وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ مَا يَدَّعُونَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِمْ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى لِلشَّيَاطِينِ وَسْوَسَةً هِيَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ لِلتَّأْثِيرِ فِي الْقُلُوبِ الْمُسْتَعِدَّةِ لَهَا كَتَأْثِيرِ جِنَّةِ الْهَوَامِّ فِي الْأَجْسَادِ الْمُسْتَعِدَّةِ. وَأَنَّ مُقَاوَمَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي اسْتِطَاعَةِ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ أَرْشَدَهُ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَصَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَرَوْنَ النَّاسَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُمُ النَّاسُ، وَهَؤُلَاءِ الدَّجَّالُونَ يَنْفُونَ مَا أَثْبَتَ كِتَابُ اللهِ وَيُثْبِتُونَ مَا نَفَاهُ. وَيَقُولُونَ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى الْجِنَّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ مِنْهُ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) (٧٢: ١) وَلَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute