الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ - فَهَذِهِ أَشْيَاءٌ مُحَرَّمَةٌ بِأَعْيَانِهَا، فَلَا تُبَاحُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. وَحَرَّمَ مِمَّا يُلَابِسُهَا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ فِي أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا وَمَا قَبِلَهُ ثَابِتٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُ مِنَ السَّرَفِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَنَهَى أَيْضًا عَنْ لِبَاسِ الشُّهْرَةِ وَعَنْ تَشَبُّهِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِهِمْ.
وَاعْتَبَرَ عُلَمَاءُ الشَّرْعِ عُرْفَ النَّاسِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الضِّيقِ وَالسَّعَةِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) (٦٥: ٧) الْآيَةَ، فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْغَنِيِّ لِزَوْجَتِهِ الْغَنِيَّةِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْ غِذَاءٍ وَلِبَاسٍ، وَلَكِنَّ دَرَجَاتِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ مُتَفَاوِتَةٌ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهَا وَتَحْدِيدُهَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ مِنَ النَّاسِ عُرْفُ الْمُعْتَدِلِينَ مِنْهُمُ الَّذِي يَدْخُلُ فِي طَاقَتِهِمْ - وَمَنْ تَجَاوَزَ طَاقَتَهُ مُبَارَاةً لِمَنْ هُمْ فِي الثَّرْوَةِ مِثْلُهُ مِنَ الْمُسْرِفِينَ أَوْ لِمَنْ هُمْ أَغْنَى مِنْهُ وَأَقْدَرُ كَانَ مُسْرِفًا، وَكَمْ خَرَّبَتْ هَذِهِ الْمُبَارَاةُ وَالْمُنَافَسَةُ مِنْ بُيُوتٍ كَانَتْ عَامِرَةً، وَلَا سِيَّمَا إِذَا اتُّبِعَتْ فِيهَا أَهْوَاءُ النِّسَاءِ فِي التَّنَافُسِ فِي الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ، وَالْمُهُورِ وَتَجْهِيزِ الْعَرَائِسِ وَاحْتِفَالَاتِ الْأَعْرَاسِ وَالْمَآتِمِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا مِنَ الْوَلَائِمِ وَالْوَضَائِمِ وَإِنَّ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَرَى مِنَ الْعَارِ أَنْ تَلْبَسَ الْغِلَالَةَ أَوِ الْحُلَّةَ فِي زِيَارَتِهَا لِأَمْثَالِهَا مَرَّتَيْنِ بَلْ لَا بُدَّ لِكُلِّ زِيَارَةٍ مِنْ حُلَّةٍ جَدِيدَةٍ. وَهَذَا سَرَفٌ كَبِيرٌ وَضَرَرُهُ عَلَى الْأُمَّةِ أَكْبَرٌ مِنْ ضَرَرِهِ عَلَى الْأَفْرَادِ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ، الَّتِي تَأْتِي بِكُلِّ أَنْوَاعِ الزِّينَةِ مِنَ الْبِلَادِ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَتَذْهَبُ ثَرْوَتُهَا إِلَى مَنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى اسْتِذْلَالِهِمْ وَسَلْبِ اسْتِقْلَالِهِمْ.
وَلَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ هَذَا مَا وَرَدَ مِنَ الْآثَارِ وَسِيرَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ السَّلَفِ فِي التَّقَشُّفِ: فَإِنَّ هَذَا الْهَدْيَ الْقُرْآنِيَّ هُوَ أَصْلُ الشَّرْعِ، وَكُلُّ مَا خَالَفَهُ فَلَهُ سَبَبٌ يَعْرِفُهُ الْوَاقِفُ عَلَى جُمْلَةِ سِيرَتِهِمْ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْفَقْرِ وَالضِّيقِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَمَا خَافُوا عَلَى الْأُمَّةِ مِنَ الْفَسَادِ بِالتَّرَفِ وَالسَّرَفِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ ذَلِكَ الضِّيقِ إِلَى تِلْكَ السَّعَةِ الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَيْرِهِمَا.
عَلَى أَنَّ الْمَيْلَ إِلَى التَّقَشُّفِ وَالتَّقْتِيرِ وَالْغُلُوَّ فِي ذَلِكَ تَدَيُّنًا مَعْهُودٌ مِنْ طِبَاعِ الْبَشَرِ كَضِدِّهِ، وَالِاعْتِدَالُ وَالْقَصْدُ هُوَ الَّذِي خَاطَبَ بِهِ الشَّرْعُ النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ مَرَّتَيْنِ فِي الْيَوْمِ مِنَ الْإِسْرَافِ ضَعِيفٌ وَمُعَارَضٌ بِالصِّحَاحِ وَحَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ مَاجَهْ " إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ مَا اشْتَهَيْتَ " ضَعِيفٌ أَيْضًا وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَحِكْمَةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَلَمْ يَكْبَحْ جُمُوحَهَا بِقُوَّةِ الْإِرَادَةِ عَنْ بَعْضِ شَهَوَاتِهَا، فَإِنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute