لَوْ يُرَدُّونَ إِلَى الدُّنْيَا فَيَكُونُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُمْ
لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِحَالِهِمْ وَغَايَةِ تَمَنِّيهِمْ يَقُولُ: قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِتَدْسِيسهَا وَتَدْنِيسِهَا بِالشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي، وَعَدَمِ تَزْكِيَتِهَا بِالتَّوْحِيدِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حَظٌّ فِي الْآخِرَةِ، وَيَوْمَئِذٍ يَضِلُّ وَيَغِيبُ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ مِنْ خَبَرِ الشُّفَعَاءِ كَقَوْلِهِمْ فِي مَعْبُودَاتِهِمْ: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ) (١٠: ١٨) فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ عِوَضٍ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ خُسْرَانِ النَّفْسِ فِي (س٦: ١٢، ٢٠) وَتَفْسِيرُ: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) فِي (٦: ٢٤) وَنَحْوِهَا: (وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ: (وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٦: ٩٤) .
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَعْدَ آيَاتِ الْجَزَاءِ وَالْمَعَادِ، سَبَبَ هَلَاكِ الْكَافِرِينَ وَخُسْرَانِ أَنْفُسِهِمْ بِالشِّرْكِ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَعِبَادَةِ مَنِ اتَّخَذُوهُمْ شُفَعَاءَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَعَدَمِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ بِمَا شَرَعَهُ لَهُمْ، دُونَ مَا ابْتَدَعُوهُ أَوِ ابْتَدَعَهُ لَهُمْ مَنْ قَبْلَهُمْ، ثُمَّ قَفَّى عَلَى ذَلِكَ بِخَمْسِ آيَاتٍ جَامِعَةٍ لِجُمْلَةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الدِّينِ بِإِيجَازٍ بَلِيغٍ ابْتَدَأَهَا بِآيَةِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ الْهَادِيَةِ إِلَى حَقِيقَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ بُرْهَانًا عَلَى أَصْلِ الدِّينِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) الرَّبُّ: هُوَ السَّيِّدُ وَالْمَالِكُ وَالْمُدَبِّرُ وَالْمُرَبِّي، وَالْإِلَهُ: هُوَ الْمَعْبُودُ، أَيِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ عِنْدَ الشُّعُورِ بِالْحَاجَةِ إِلَى مَا يَعْجِزُ عَنْهُ بِكَسْبِهِ وَمُسَاعَدَةِ الْأَسْبَابِ لَهُ، فَيَدْعُوهُ لِكَشْفِ الضُّرِّ أَوْ جَلْبِ النَّفْعِ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute