للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ

الَّتِي يُرْجَى أَنْ تُرْضِيَهُ، وَبِالنَّذْرِ لَهُ وَالذَّبْحِ بِاسْمِهِ أَوْ لِأَجْلِهِ، سَوَاءً كَانَ الرَّجَاءُ فِيهِ خَاصًّا بِهِ أَوْ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْبُودٍ آخَرَ هُوَ فَوْقَهُ أَوْ دُونَهُ. وَأَمَّا اسْمُ الْجَلَالَةِ الْأَعْظَمِ (اللهُ) فَهُوَ اسْمٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ خَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، الَّذِي يَنْفِي الْمُوَحِّدُونَ الْحُنَفَاءُ رُبُوبِيَّةَ غَيْرِهِ وَأُلُوهِيَّةَ سِوَاهُ، وَيَقُولُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّهُ أَكْبَرُ الْأَرْبَابِ أَوْ رَئِيسُهُمْ، وَأَعْظَمُ الْآلِهَةِ أَوْ مَرْجِعُهُمُ الَّذِي يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ، وَكَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَأَمْثَالُهُمْ يَنْفُونَ وُجُودَ رَبٍّ سِوَاهُ وَإِنَّمَا يَعْبُدُونَ آلِهَةً تُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ.

وَالسَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ يُطْلَقَانِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى كُلِّ مَوْجُودٍ مَخْلُوقٍ، أَوْ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بَعْضُ النَّاسِ بِالْعَالَمِ الْعِلْوِيِّ وَالْعَالَمِ السُّفْلِيِّ - وَإِنْ كَانَ الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ فِيهِمَا مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ - وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَمُ عَلَى أَنَّ خَالِقَ جُمْلَةِ الْعَالَمِ وَاحِدٌ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَرْبَابًا كَانُوا يُقَيِّدُونَ رُبُوبِيَّتَهُمْ بِأُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ وُكِّلَ إِلَيْهِمْ تَدْبِيرُهَا، وَيُسَمُّونَهُمْ بِأَسْمَاءٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ (٤٧٣، ٤٧٤ ج ٧ ط الْهَيْئَةِ) وَيَخُصُّونَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ بَاسِمٍ كَاسْمِ الْجَلَالَةِ (اللهِ) فِي الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا الثَّنَوِيَّةَ الَّذِينَ قَالُوا بِرَبَّيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ أَحَدُهُمَا: خَالِقُ النُّورِ وَفَاعِلُ الْخَيْرِ، وَالثَّانِي: خَالِقُ الظُّلْمَةِ وَمَصْدَرُ الشَّرِّ.

فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلنَّاسِ كَافَّةً: إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَهُوَ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ الْمُدَبِّرُ لِأُمُورِهِمَا وَحْدَهُ، فَيَجِبُ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، فَلَا يَكُونُ لَكُمْ إِلَهٌ غَيْرُهُ، وَقَدْ تُطْلَقُ السَّمَاوَاتُ عَلَى مَا دُونَ الْعَرْشِ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَلَا سِيَّمَا إِذَا وُصِفَتْ بِالسَّبْعِ.

وَأَمَّا هَذِهِ الْأَيَّامُ السِّتَّةُ فَهِيَ مِنْ أَيَّامِ اللهِ الَّتِي يَتَحَدَّدُ الْيَوْمُ مِنْهَا بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ يَكُونُ فِيهِ، فَإِنَّ الْيَوْمَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الزَّمَنُ الَّذِي يَمْتَازُ بِمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ كَامْتِيَازِ أَيَّامِنَا بِمَا يَحُدُّهَا مِنَ النُّورِ وَالظَّلَامِ، وَأَيَّامِ الْعَرَبِ بِمَا كَانَ يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْحَرْبِ وَالْخِصَامِ، وَأَيَّامِ اللهِ الَّتِي أَمَرَ مُوسَى أَنْ يُذَكِّرَ قَوْمَهُ بِهَا هِيَ أَزْمِنَةُ أَنْوَاعِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٢٢: ٤٧) وَوَصَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِ: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٧٠: ٤) وَلَا يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَيَّامُ السِّتَّةُ مِنْ أَيَّامِ أَرْضِنَا، الَّتِي يُحَدُّ لَيْلُ الْيَوْمِ وَنَهَارُهُ مِنْهَا بِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً مِنَ السَّاعَاتِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَنَا، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ إِنَّمَا وُجِدَتْ بَعْدَ خَلْقِ هَذِهِ الْأَرْضِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَصْلُ خَلْقِهَا فِي أَيَّامٍ مِنْهَا. وَقَدْ وَصَفَ تَعَالَى خَلْقَهَا وَخَلْقَ السَّمَاءِ

فِي سُورَةِ (حم السَّجْدَةِ - فُصِّلَتْ) بِمَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ فَقَالَ: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونِ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٤١: ٩ - ١٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>