فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْجَارِ إِذَا كَسَرْنَاهَا أَجْزَاءَ الْمَائِيَّةِ كَالْأَصْدَافِ وَالْحِيتَانِ اهـ.
يَظُنُّ بَعْضُ قَصِيرِي النَّظَرِ وَضَعِيفِي الْفِكْرِ أَنَّ الْخَلْقَ الْأُنُفَ - (بِضَمَّتَيْنِ) : الْجُزَافُ - الَّذِي لَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَلَا تَدْرِيجَ نِظَامٍ - أَدَلُّ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ وَعَلَى عَظَمَةِ قُدْرَتِهِ، وَيُقَوِّي هَذَا الظَّنَّ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مَا عُلِمَ مِنْ كُفْرِ بَعْضِ الْبَاحِثِينَ فِي نِظَامِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ وَسُنَنِهِ بِالْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ كُفْرُهُمْ ذُهُولًا وَاشْتِغَالًا عَنِ الصَّانِعِ بِدِقَّةِ الصَّنْعَةِ، وَتَجْوِيزًا لِحُصُولِ النِّظَامِ فِيهَا بِنَفْسِهِ مُصَادَفَةً وَاتِّفَاقًا، وَالصَّوَابُ الْمَعْقُولُ: أَنَّ النِّظَامَ أَدَلُّ الدَّلَائِلِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فِي آثَارِ الْقُدْرَةِ، وَعَلَى وَحْدَانِيَّةِ الْخَالِقِ. فَإِنَّ وَحْدَةَ النِّظَامِ فِي الْعَالَمِ أَظْهَرُ الْبَرَاهِينِ عَلَى وَحْدَةِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَمَا لَا نِظَامَ فِيهِ هُوَ الَّذِي قَدْ يَخْطُرُ فِي بَالِ رَائِيهِ أَنَّ وُجُودَهُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ أَوْ مِنْ قَذَفَاتِ الضَّرُورَةِ الْعَمْيَاءِ أَوْ بِفِعْلِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَأَيُّ عَاقِلٍ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْمَةٍ مِنَ الْحَصَى يَرَاهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَبَيْنَ قَصْرٍ مَشِيدٍ، فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مُتْرَفُو الْأَغْنِيَاءِ مِنْ حُجُرَاتٍ وَمَرَافِقَ، أَفَيُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ النِّظَامُ الْعَامُّ فِي الْعَالَمِ الْأَكْبَرِ
وَوَحْدَةُ السُّنَنِ الَّتِي قَامَ بِهَا بِالْمُصَادَفَةِ؟ أَوْ أَثَرِ إِرَادَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ؟ ! كَلَّا.
(فَإِنْ قِيلَ) : قَدْ وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ السِّتَّةَ هِيَ مِنْ أَيَّامِ دُنْيَانَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُفَسِّرِينَا، وَفِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: " خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتَ وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ " وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخَلْقَ كَانَ جُزَافًا وَدُفْعَةً وَاحِدَةً لِكُلِّ نَوْعٍ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِنَا الْقَصِيرَةِ.
(فَالْجَوَابُ) : أَنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَهُوَ أَقْوَاهَا مَرْدُودٌ بِمُخَالَفَةِ مَتْنِهِ لِنَصِّ كِتَابِ اللهِ وَأَمَّا سَنَدُهُ فَلَا يَغُرَّنَّكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لَهُ بِهِ، فَهُوَ قَدْ رَوَاهُ كَغَيْرِهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ الْمَصِّيصِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَهُوَ قَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَثَبَتَ أَنَّهُ حَدَّثَ بَعْدَ اخْتِلَاطِ عَقْلِهِ، كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ إِيرَادِهِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: وَفِيهِ اسْتِيعَابُ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ وَاللهُ تَعَالَى قَالَ: (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وَلِهَذَا تَكَلَّمَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَعَلُوهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ لَيْسَ مَرْفُوعًا وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ. أَيْ فَيَكُونُ رَفْعُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ مِنْ خَلْطِ حَجَّاجِ بْنِ الْأَعْوَرِ. وَقَدْ هَدَانَا اللهُ مِنْ قَبْلُ إِلَى حَمْلِ بَعْضِ مُشْكِلَاتِ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُعَنْعَنَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْمُخْتَرَعَةِ وَخَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَذِبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute