وَالْجِبَالِ. وَالْمَعْنَى: وَيُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ سُحُبٍ فِيهَا كَالْجِبَالِ بَرَدًا عَظِيمَ الشَّأْنِ فِي شَكْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَتَأْثِيرِهِ فِيمَنْ يُصِيبُهُ، وَ (مِنْ) فِيهِ صِلَةٌ أَوْ لِلتَّبْعِيضِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ. وَمَا رُوِيَ مُخَالِفًا لِهَذَا فَمِنْ إِسْرَائِيلِيَّاتِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَأَمْثَالِهِ كَمَا نُبَيِّنُهُ فِي مَحَلِّهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
(فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ) عَطَفَ كُلًّا مِنْ إِنْزَالِ الْمَاءِ عَلَى سَوْقِ السَّحَابِ وَمِنْ إِخْرَاجِ النَّبَاتِ عَلَى إِنْزَالِ الْمَاءِ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ، وَهُوَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنْزَالُ الْمَاءِ يَعْقُبُ سَوْقَ السَّحَابِ الثِّقَالِ وَجَعْلَهُ كِسَفًا أَوْ رُكَامًا بِدَقَائِقَ
مَعْدُودَةٍ قَلَّمَا يَتَجَاوَزُهَا إِلَى السَّاعَاتِ، وَسَبَبُ السُّرْعَةِ فِيهِ شِدَّةُ الرِّيحِ، وَيُقَابِلُهُ سَبَبُ الْبُطْءِ وَهُوَ ضَعْفُهَا. وَأَمَّا إِخْرَاجُ النَّبَاتِ بِسَبَبِ هَذَا الْمَاءِ فَأَمَدُ التَّعْقِيبِ فِيهِ أَوْسَعُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ أَيَّامٍ تَخْتَلِفُ قِلَّةً وَكَثْرَةً بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ. وَمِنَ التَّعْقِيبِ مَا يَكُونُ فِي أَشْهُرٍ أَوْ سِنِينَ، فَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ: تَزَوَّجَ فَوُلِدَ لَهُ - فَهُوَ يَصْدُقُ بِمَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ الْغَالِبَةِ وَهِيَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ بِالتَّقْرِيبِ، وَلَعَلَّهُ لَا يُنَافِي التَّعْقِيبُ فِيهِ زِيَادَةَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ.
وَالثَّمَرَاتُ جَمْعُ ثَمَرَةٍ وَهِيَ وَاحِدَةُ الثَّمَرِ (بِتَحْرِيكِ كُلٍّ مِنْهُمَا) وَالثَّمَرُ يُجْمَعُ عَلَى ثِمَارٍ - كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ - وَجَمْعُ الثِّمَارِ ثَمَرٌ - كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ - وَهُوَ يُجْمَعُ عَلَى أَثْمَارٍ - كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ - قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالثَّمَرُ هُوَ الْحَمْلُ الَّذِي تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ سَوَاءً أَكَلَ أَوْ لَا. فَيُقَالُ: ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَثَمَرُ الْعَوْسَجِ، وَثَمَرُ الدَّوْمِ وَهُوَ الْمُقِلُّ، كَمَا يُقَالُ: ثَمَرُ النَّخْلِ، وَثَمَرُ الْعِنَبِ اهـ. وَهَذَا أَصَحُّ وَأَوْضَحُ مِنْ قَوْلِ الرَّاغِبِ: الثَّمَرُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتَطَعَّمُ مِنْ أَعْمَالِ الشَّجَرَةِ. وَالْمُرَادُ بِكُلِّ الثَّمَرَاتِ: جَمِيعُ أَنْوَاعِهَا عَلَى اخْتِلَافِ طُعُومِهَا وَأَلْوَانِهَا وَرَوَائِحِهَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ بَلَدٍ مَيِّتٍ يُنْزِلُ اللهُ فِيهِ الْمَاءَ يُخْرِجُ بِهِ جَمِيعَ الثَّمَرَاتِ الَّتِي خَلَقَهَا فِي الْأَرْضِ، فَقَدْ عُلِمَ مِنَ الْآيَةِ التَّالِيَةِ وَمِنْ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَمِنَ الْمُشَاهَدَةِ أَنَّ الْبِلَادَ تَخْتَلِفُ أَرْضُهَا فِيمَا تُخْرِجُهُ وَفِي الْإِخْرَاجِ، فَالِاسْتِغْرَاقُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَرْضِ اللهِ كُلِّهَا. وَيَكْفِي فِي كُلِّ أَرْضٍ أَنْ تُخْرِجَ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً تَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَعَلِمِهِ وَرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ. قَالَ تَعَالَى: (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٣: ٤) وَقَفَّى عَلَى التَّذْكِيرِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بِالتَّعَجُّبِ مِنْ إِنْكَارِهِمْ لِلْبَعْثِ كَمَا قَالَ هُنَا:
(كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أَيْ مِثْلِ هَذَا الْإِخْرَاجِ لِأَنْوَاعِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ بِإِحْيَائِهَا بِالْمَاءِ نُخْرِجُ الْمَوْتَى مِنَ الْبَشَرِ وَغَيْرِهِمْ، فَالْقَادِرُ عَلَى هَذَا قَادِرٌ عَلَى ذَاكَ. لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ هَذَا الشَّبَهَ فَيَزُولُ اسْتِبْعَادُكُمْ لِلْبَعْثِ الَّذِي عَبَّرْتُمْ عَنْهُ بِقَوْلِكُمْ: (مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٣٦: ٧٨) ؟ (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (٣٧: ١٦) (أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) (٣٧: ٥٣) (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (٥٠: ٣) وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَى إِنْكَارِكُمْ لَا مَنْشَأَ لَهُ إِلَّا مَا تَحْكُمُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute