للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ بَادِيَ الرَّأْيِ مِنِ امْتِنَاعِ خُرُوجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ، ذَاهِلِينَ عَنْ خُرُوجِ النَّبَاتِ الْحَيِّ مِنَ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ، وَعَنْ

عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ حَيَاةِ النَّبَاتِ وَحَيَاةِ الْحَيَوَانِ، فِي خُضُوعِهِمَا لِقُدْرَةِ الرَّبِّ الْخَالِقِ لِكُلِّ شَيْءٍ، فَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي الْآيَةِ هُوَ إِخْرَاجُ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَالْحَيُّ فِي عُرْفِهِمْ يُعْرَفُ بِالنَّمَاءِ وَالتَّغَذِّي كَالنَّبَاتِ، وَبِالْحِسِّ وَالتَّحَرُّكِ بِالْإِرَادَةِ كَالْحَيَوَانِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْعِلْمَ قَدْ أَثْبَتَ أَنَّ الْحَيَّ لَا يُولَدُ إِلَّا مِنْ حَيٍّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّبَاتُ وَالْحَيَوَانُ بِأَنْوَاعِهِ مِنْ أَدْنَى الْحَشَرَاتِ إِلَى أَعْلَاهَا، فَالنَّبَاتُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ الْقَفْرَاءِ بَعْدَ سَقْيِهَا بِالْمَاءِ لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ بُذُورٌ أَوْ جُذُورٌ فِيهَا حَيَاةٌ كَامِنَةٌ لَا تَظْهَرُ مِنْ مَكْمَنِهَا إِلَّا بِالْمَاءِ، كَمَا أَنَّ الْبُيُوضَ الَّتِي يَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْحَيَوَانُ - أَدْنَاهَا كَالصِّئْبَانِ وَبُذُورِ الدِّيدَانِ، وَأَوْسَطُهَا كَبَيْضِ الطَّيْرِ وَالْحَيَّاتِ، وَأَعْلَاهَا كَبُيُوضِ الْأَرْحَامِ - كُلُّهَا ذَاتُ حَيَاةٍ لَا تُنْتِجُ إِلَّا بِتَلْقِيحِ مَاءِ الذُّكُورِ لَهَا؟ .

قُلْنَا: إِنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ وَاضِعِي اللُّغَةِ فَهِيَ اصْطِلَاحٌ جَدِيدٌ، وَأَهْلُ اللُّغَةِ خُوطِبُوا بِعُرْفِهِمْ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ فَفَهِمُوا، بَلْ إِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ لَا يَنْفِي صِحَّةَ خُرُوجِ النَّبَاتِ الْحَيِّ مِنَ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ، فَلَوْلَا تَغَذِّي الْبُذُورِ وَالْجُذُورِ بِمَوَادِّ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ بِسَبَبِ الْمَاءِ لَمَا نَبَتَتْ، عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُفَسِّرِينَ قَالُوا إِنَّ الْإِنْسَانَ يَبْلَى كُلُّهُ إِلَّا عَجَبَ الذَّنَبِ وَهُوَ أَصْلُ الذَّنَبِ الْمُسَمَّى بِالْعُصْعُصِ أَوْ رَأْسِ الْعُصْعُصِ فَهُوَ كَنَوَاةِ النَّخْلَةِ تَبْقَى فِيهِ الْحَيَاةُ كَامِنَةً بَعْدَ فَنَاءِ الْجِسْمِ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُ النَّاسُ مِنْ عَجَبِ الذَّنَبِ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ فَهَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَطَرَ يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَفْعَلُ هَذَا الْمَطَرُ فِي الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَلَيْسَ لِهَذَا الْقَوْلِ أَصْلٌ صَرِيحٌ يُعَدُّ حُجَّةً قَطْعِيَّةً فِي مَسْأَلَةٍ اعْتِقَادِيَّةٍ غَيْرِ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى كَهَذِهِ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الْآحَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَا يُثْبِتُ بَقَاءَ عَجَبِ الذَّنَبِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ. . . وَيَبْقَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجَبُ الذَّنَبِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ " هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ لِلْمَرْفُوعِ. وَزَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ أَرْبَعُونَ " ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ (قَالَ) وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ لَا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجَبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَهُوَ غَيْرُ صَرِيحٍ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَابْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ عَامًا يُرْسِلُ اللهُ فِيهَا عَلَى الْمَوْتَى مَطَرًا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ مِنْ مَاءٍ تَحْتَ الْعَرْشِ يُسَمَّى مَاءَ الْحَيَوَانِ فَيَنْبُتُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ بِذَلِكَ الْمَطَرِ كَمَا يَنْبُتُ الزَّرْعُ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِمُ الرُّوحُ عِنْدَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ، وَيُعَارِضُهُ كَوْنُ الْأَرْضِ تَصِيرُ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى كَمَا يَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>