للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِصَّةُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ

أَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ هُودٌ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَوُلِدَ لِهُودٍ أَرْبَعَةٌ: قَحْطَانُ وَمُقْحِطٌ وَقَاحِطٌ

وَفَالِغٌ فَهُوَ أَبُو مُضَرَ، وَقَحْطَانُ أَبُو الْيَمَنِ، وَالْبَاقُونَ لَيْسَ لَهُمْ نَسْلٌ. وَأَخْرَجَا مِنْ طَرِيقِ مُقَاتِلٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْهُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ رِجَالٍ سَمَّاهُمْ وَمِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ قَالُوا جَمِيعًا: إِنَّ عَادًا كَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا - وَاتَّخَذُوا أَصْنَامًا عَلَى مِثَالِ وَدٍّ وَسُوَاعَ وَيَغُوثَ وَنَسْرٍ، فَاتَّخَذُوا صَنَمًا يُقَالُ لَهُ صَمُودُ وَصَنَمًا يُقَالُ لَهُ الْهَتَّارُ فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ هُودًا، وَكَانَ هُودٌ مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا الْخُلُودُ، وَكَانَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَسَبًا وَأَصْبَحِهِمْ وَجْهًا وَكَانَ فِي مِثْلِ أَجْسَادِهِمْ أَبْيَضَ بَادِيَ الْعَنْفَقَةِ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَأَنْ يَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ، فَأَبَوْا ذَلِكَ وَكَذَّبُوهُ (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) (٤١: ١٥) . . . وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِالْأَحْقَافِ، وَالْأَحْقَافُ الرَّمْلُ فِيمَا بَيْنَ عُمَانَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ بِالْيَمَنِ. وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ قَدْ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا وَقَهَرُوا أَهْلَهَا بِفَضْلِ قُوَّتِهِمُ الَّتِي آتَاهُمُ اللهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ قَالَ: كَانَتْ عَادٌ مَا بَيْنَ الْيَمَنِ إِلَى الشَّامِ مِثْلَ الذَّرِّ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قُبِرَ هُودٌ بِحَضْرَمَوْتَ فِي كَثِيبٍ أَحْمَرَ عِنْدَ رَأْسِهِ سُمْرَةٌ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي السُّورَةِ الْمُسَمَّاةِ بِاسْمِهِ مَزِيدُ بَيَانٍ لِحَالِهِ وَحَالِ قَوْمِهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ) أَيْ وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ فِي النَّسَبِ هُودًا، كَمَا يُقَالُ فِي أُخُوَّةِ الْجِنْسِ كُلِّهِ يَا أَخَا الْعَرَبِ. وَلِلدِّينِ أُخُوَّةٌ رُوحِيَّةٌ كَأُخُوَّةِ الْجِنْسِ الْقَوْمِيَّةِ وَالْوَطَنِيَّةِ. وَالْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَسْمِيَةِ الْقَرِيبِ أَوِ الْوَطَنِيِّ الْكَافِرِ أَخًا. وَحِكْمَتُهُ كَوْنُ رَسُولِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ أَنْ يُفْهِمَهُمْ وَيَفْهَمَ مِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا مَا اسْتَعَدَّ الْبَشَرُ لِلْجَامِعَةِ الْعَامَّةِ، أَرْسَلَ اللهُ خَاتَمَ رُسُلِهِ إِلَيْهِمْ كَافَّةً وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ تَوْحِيدَ اللُّغَةِ لِتَوْحِيدِ الدِّينِ، الْمُرَادِ بِهِ تَوْحِيدُ الْبَشَرِ وَإِدْخَالُهُمْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً.

(قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ آنِفًا وَلَكِنَّ الْجُمْلَةَ هُنَاكَ عُطِفَتْ بِالْفَاءِ وَفُصِّلَتْ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ سَائِرِ الْقِصَصِ. وَالْفَرْقُ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ أَنَّ الْعَطْفَ هُنَالِكَ جَاءَ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ كَوْنُ التَّبْلِيغِ جَاءَ عَقِبَ الْإِرْسَالِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ غَيْرُ جَائِزٍ.

وَلَمَّا صَارَ هَذَا مَعْلُومًا

كَانَ مِنَ الْمُنَاسِبِ فِيمَا بَعْدَهُ مِنَ الْقَصَصِ أَنْ يَجِيءَ بِأُسْلُوبِ الِاسْتِئْنَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>