للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ

أَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ دَعْوَتِهِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُؤْمِنَ الْبَشَرُ بِدَلَالَةِ مِثْلِهِ. وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ إِنْذَارَ قَوْمِهِ بِأَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ إِذَا هُمْ أَصَرُّوا عَلَى شِقَاقِهِ وَعِنَادِهِ - هُوَ آيَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى صِدْقِهِ، وَقَدْ صَدَقَ إِنْذَارُهُ هَذَا وَهُوَ مُبَيَّنٌ فِي قِصَّتِهِ مِنْ سُورَةِ هُودٍ. وَلَكِنْ لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ آيَةٌ أُخْرَى دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِهِ تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ ظُهُورَ صِدْقِ هَذَا الْإِنْذَارِ إِنَّمَا يَكُونُ بِوُقُوعِ الْعَذَابِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّةِ الْإِيمَانِ، فَلَا فَائِدَةَ لَهُمْ مِنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ بِهِ، عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْحَقُّ، فَهِيَ تَشْمَلُ الْمُعْجِزَاتِ الْكَوْنِيَّةَ وَالْبَرَاهِينَ الْعَقْلِيَّةَ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ الْقَدِيمَةِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُذْعِنُ إِلَّا لِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْبَيِّنَةُ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ تَعَالَى بِهَا شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ مُلْزِمَةً لِلْحُجَّةِ قَاطِعَةً لِأَلْسِنَةِ الْعُذْرِ وَمُكَابَرَةِ الْحَقِّ لَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ:

(فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) فَإِنَّ عَطْفَ هَذَا الْأَمْرِ بِالْفَاءِ لَا يَصِحُّ إِلَّا إِذَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا هُوَ سَبَبٌ لَهُ، وَهُوَ الْبَيِّنَةُ عَلَى صِدْقِهِ وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: (اعْبُدُوا اللهَ) لَعُطِفَ بِالْوَاوِ.

بَدَأَ الدَّعْوَةَ بِالْأَمْرِ بِالتَّوْحِيدِ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ أَسَاسُ الْعَقِيدَةِ وَرُكْنُ الدِّينِ الْأَعْظَمِ، وَقَفَّي عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ بِإِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ إِذَا بَاعُوا، وَالنَّهْيِ عَنْ بَخْسِ النَّاسِ أَشْيَاءَهُمْ إِذَا اشْتَرَوْا؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ فَاشِيًا فِيهِمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْمَعَاصِي، فَكَانَ شَأْنُهُ مَعَهُمْ كَشَأْنِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ بَدَأَ بِنَهْيِ قَوْمِهِ عَنِ الْفَاحِشَةِ السُّوأَى الَّتِي كَانَتْ فَاشِيَةً فِيهِمْ.

كَانَ قَوْمُ شُعَيْبٍ مِنَ الْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ أَوْ وَزَنُوا عَلَيْهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَرُونَ مِنَ الْمُكَيَّلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ يَسْتَوْفُونَ حَقَّهُمْ أَوْ يَزِيدُونَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ مَا يَبِيعُونَ لَهُمْ يُخْسِرُونَ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ أَيْ يُنْقِصُونَهُ، فَيَبْخَسُونَهُمْ أَشْيَاءَهُمْ وَيُنْقِصُونَهُمْ حُقُوقَهُمْ وَالْبَخْسُ أَعَمُّ مِنْ نَقْصِ الْمُكَيَّلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ غَيْرَهُمَا مِنَ الْمَبِيعَاتِ كَالْمَوَاشِي وَالْمَعْدُودَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>