للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَنْفُسِ وَالْأَعْرَاضِ، وَإِفْسَادِ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ بِالْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَإِفْسَادِ الْعُمْرَانِ بِالْجَهْلِ وَعَدَمِ النِّظَامِ. وَإِصْلَاحُهَا هُوَ مَا يَصْلُحُ بِهِ أَمْرُهَا وَحَالُ أَهْلِهَا مِنَ الْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ الْمُنَافِيَةِ لِخُرَافَاتِ الشِّرْكِ وَمَهَانَتِهِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الْمُزَكِّيَةِ لِلْأَنْفُسِ مِنْ أَدْرَانِ الرَّذَائِلِ، وَالْأَعْمَالِ الْفَنِّيَّةِ الْمُرَقِّيَّةِ لِلْعُمْرَانِ وَحُسْنِ الْمَعِيشَةِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) (١٠) فَقَدْ أَصْلَحَ اللهُ تَعَالَى حَالَ الْبَشَرِ بِنِظَامِ الْفِطْرَةِ وَكَمَالِ الْخِلْقَةِ، وَمَكَّنَهُمْ مِنْ إِصْلَاحِ الْأَرْضِ بِمَا آتَاهُمْ مِنَ الْقُوَى الْعَقْلِيَّةِ وَالْجَوَارِحِ، وَبِمَا أَوْدَعَ فِي خَلْقِ الْأَرْضِ مِنَ السُّنَنِ الْحَكِيمَةِ،

وَبِمَا بَعَثَ بِهِ الرُّسُلَ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْفِطْرَةِ، فَالْإِفْسَادُ إِزَالَةُ صَلَاحٍ أَوْ إِصْلَاحٍ، وَقَدْ كَانَ قَوْمُ شُعَيْبٍ مِنَ الْمُفْسِدِينَ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَالْإِصْلَاحُ مَا يَكُونُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، وَهُوَ إِمَّا الْخَالِقُ الْحَكِيمُ وَحْدَهُ، وَإِمَّا مَنْ سَخَّرَهُمْ لِلْإِصْلَاحِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ، وَالْحُكَّامِ الْعَادِلِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الْقِسْطَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ يَنْفَعُونَ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، كَالزُّرَّاعِ وَالصُّنَّاعِ وَالتُّجَّارِ أَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ تَتَوَقَّفُ فِي هَذَا الْعَصْرِ عَلَى عُلُومٍ وَفُنُونٍ كَثِيرَةٍ، فَهِيَ وَاجِبَةٌ وِفْقًا لِقَاعِدَةِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

(ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الْإِشَارَةُ إِلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، أَيْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ لَا تَكْلِيفَ إِعْنَاتٍ، فَرَبُّكُمْ لَا يَأْمُرُكُمْ إِلَّا بِمَا هُوَ نَافِعٌ لَكُمْ، وَلَا يَنْهَاكُمْ إِلَّا عَمَّا هُوَ ضَارٌّ بِكُمْ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ غَنِيٌّ عَنْكُمْ، وَلَوْ شَاءَ لَأَعَنْتَكُمْ وَلَكِنَّهُ رَحِيمٌ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ لَكُمْ خَيْرِيَّةُ مَا ذَكَرَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ تَعَالَى وَبِرَسُولِهِ وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الدِّينِ وَالشَّرْعِ وَسَيَأْتِي تَعْلِيلُ ذَلِكَ بَعْدَ بَيَانِ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْإِيمَانِ.

فَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْإِيمَانَ هُنَا بِالتَّصْدِيقِ اللُّغَوِيِّ، أَيِ اعْتِقَادِ صِحَّةِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ بِهِ عِنْدَهُمْ مِنَ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالنُّصْحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ خَيْرِيَّةَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الدُّنْيَوِيَّةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَالْإِيمَانِ بِرِسَالَةِ رَسُولِهِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِ: (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ) وَمَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ تَعَالَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ إِنَّمَا يُجَاءُ بِهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ لِلتَّأْكِيدِ. وَقَالَ الْقُطْبُ الرَّازِيُّ: إِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>