للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِنْدَ بُزُوغِهَا، وَاكْتِمَالِ ضَوْئِهَا فَصَارَتْ بِانْعِكَاسِ النُّورِ بِهَا كَالشَّمْسِ لَمْ يَسْتَطِعِ السَّحَرَةُ أَنْ يُثَبِّتُوا نَظَرَهُمْ إِلَيْهَا فَخَضَعُوا لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ، وَكَفُّوا شَرَّهُمْ عَنْهُمْ خَوْفًا مِنْهُمْ.

(النَّوْعُ الثَّانِي) : الشَّعْوَذَةُ الَّتِي مَدَارُ الْبَرَاعَةِ فِيهَا عَلَى خِفَّةِ الْيَدَيْنِ فِي إِخْفَاءِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، وَإِظْهَارِ بَعْضٍ، وَإِرَاءَةِ بَعْضِهَا بِغَيْرِ صُوَرِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْحَضَارَةِ بِكَثْرَةِ الْمُكْتَسِبِينَ بِهَا مِنَ الْوَطَنِيِّينَ وَالْغُرَبَاءِ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ يُسَمِّيهَا سِحْرًا.

(النَّوْعُ الثَّالِثُ) : مَا مَدَارُهُ عَلَى تَأْثِيرِ الْأَنْفُسِ ذَوَاتِ الْإِرَادَةِ الْقَوِيَّةِ فِي الْأَنْفُسِ الضَّعِيفَةِ ذَاتِ الْأَمْزِجَةِ الْعَصِيبَةِ الْقَابِلَةِ لِلْأَوْهَامِ وَالِانْفِعَالَاتِ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِ عُلَمَاءِ هَذَا الْعَصْرِ بِالْهِسْتِيرِيَةِ، وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي قِيلَ: إِنَّ أَصْحَابَهُ يَسْتَعِينُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ بِأَرْوَاحِ الشَّيَاطِينَ، وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْأَوْفَاقَ وَالطَّلْسَمَاتِ لِلْحُبِّ وَالْبُغْضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ يَقُولُ: إِنَّ لِلْحُرُوفِ خَوَاصًّا وَتَأْثِيرَاتٍ ذَاتِيَّةً يَخْرُجُ عَمَلُ الْأَوْفَاقِ وَالنَّشَرَاتِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ السِّحْرِ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا اسْتُحْدِثَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنَ التَّنْوِيمِ الْمِغْنَاطِيسِيِّ، وَأَخْبَارُهُ مَشْهُورَةٌ.

وَمِمَّا سَبَقَ لَنَا بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ تَخْطِئَةُ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ: إِنَّ السِّحْرَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ الْجَامِعُ لِمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَفَاتَهُمْ أَنَّ السِّحْرَ صِنَاعَةٌ تُتَلَقَّى بِالتَّعْلِيمِ، كَمَا ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَبِالِاخْتِبَارِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْكَوْنِ فِي هَذَا الْعَصْرِ.

وَلِعُلَمَائِنَا كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي السِّحْرِ بَعْضُهُ أَوْهَامٌ، وَإِنَّنَا نَنْقُلُ هُنَا كَلَامَ بَعْضِ كِبَارِ مُحَقِّقِي الْمُفَسِّرِينَ فِيهِ، وَمِنْ أَخْصَرِهِ وَأَفَيْدِهِ قَوْلُ ابْنُ فَارِسٍ: هُوَ إِخْرَاجُ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ، وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيَّ فِي مُفْرَدَاتِهِ لِغَرِيبِ الْقُرْآنِ مَا نَصُّهُ: تَعْرِيفُ السِّحْرِ وَمَأْخَذُهُ مِنَ اللُّغَةِ:

السَّحْرُ: طَرَفُ الْحُلْقُومِ وَالرِّئَةِ، وَقِيلَ: انْتَفَخَ سَحْرُهُ، وَبَعِيرٌ سَحْرٌ: عَظِيمُ السَّحْرِ، وَالسُّحَارَةُ (بِالضَّمِّ) : مَا يُنْزَعُ مِنَ السَّحْرِ عِنْدَ الذَّبْحِ فَيَرْمِي بِهِ، وَجَعَلَ بِنَاءَهُ بِنَاءَ النِّفَايَةِ وَالسِّقَاطَةِ، وَقِيلَ: مِنْهُ اشْتُقَّ السِّحْرُ، وَهُوَ إِصَابَةُ السِّحْرِ، وَالسِّحْرُ يُقَالُ عَلَى مَعَانٍ.

(الْأَوَّلُ) : خِدَاعٌ وَتَخْيِيلَاتٌ لَا حَقِيقَةَ لَهَا نَحْوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشَعْبِذُ بِصَرْفِ الْأَبْصَارِ عَمَّا يَفْعَلُهُ لِخِفَّةِ يَدِهِ، وَمَا يَفْعَلُهُ النَّمَّامُ بِقَوْلٍ مُزَخْرَفٍ عَائِقٍ لِلْأَسْمَاعِ، وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ (٧: ١١٦) وَقَالَ: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ (٢٠: ٦٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>