وَقَدْ أَحْسَنْتُ السِّحْرَ، فَقُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَا: لَا تُرِيدِينَ شَيْئًا فَتُصَوِّرِينَهُ فِي وَهْمِكِ إِلَّا كَانَ، فَصَوَّرْتُ فِي نَفْسِي حَبًّا مِنْ حِنْطَةٍ فَإِذَا أَنَا بِالْحَبِّ، فَقُلْتُ لَهُ: انْزَرِعْ، فَانْزَرَعَ وَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ سُنْبُلًا، فَقُلْتُ لَهُ: انْطَحِنْ وَانْخَبِزْ إِلَى آخِرِ الْأَمْرِ حَتَّى صَارَ خُبْزًا، وَإِلَى كُنْتُ لَا أُصَوِّرُ فِي نَفْسِي شَيْئًا إِلَّا كَانَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: لَيْسَتْ لَكِ تَوْبَةٌ.
" فَيَرْوِي الْقُصَّاصُ وَالْمُحَدِّثُونَ الْجُهَّالُ مِثْلَ هَذَا لِلْعَامَّةِ فَتُصَدِّقُهُ وَتَسْتَعِيدُهُ وَتَسْأَلُ بَعْضَهُمْ أَنْ يُحَدِّثَهَا بِحَدِيثِ سَاحِرَةِ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَيَقُولُ لَهَا: إِنَّ ابْنَ هُبَيْرَةَ أَخَذَ سَاحِرَةً فَأَقَرَّتْ لَهُ بِالسِّحْرِ فَدَعَا الْفُقَهَاءَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ حُكْمِهَا فَقَالُوا: الْقَتْلُ، فَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: لَسْتُ
أَقْتُلُهَا إِلَّا تَغْرِيقًا، قَالَ: فَأَخَذَ رَحَى الْبِزْرِ فَشَدَّهَا فِي رِجْلِهَا، وَقَذَفَهَا فِي الْفُرَاتِ فَقَامَتْ فَوْقَ الْمَاءِ مَعَ الْحَجَرِ تَنْحَدِرُ مَعَ الْمَاءِ فَخَافَا أَنْ تَفُوتَهُمْ، فَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: مَنْ يُمْسِكُهَا وَلَهُ كَذَا وَكَذَا؟ فَرَغِبَ رَجُلٌ مِنَ السَّحَرَةِ كَانَ حَاضِرًا فِيمَا بَذَلَهُ، فَقَالَ: أَعْطُونِي قَدَحَ زُجَاجٍ فِيهِ مَاءٌ، فَجَاءُوهُ بِهِ فَقَعَدَ عَلَى الْقَدَحِ، وَمَضَى إِلَى الْحَجَرِ فَشَقَّ الْحَجَرَ بِالْقَدَحِ فَتَقَطَّعَ الْحَجَرُ قِطْعَةً قِطْعَةً فَغَرَقَتِ السَّاحِرَةُ - فَيُصَدِّقُونَهُ، وَمَنْ صَدَّقَ هَذَا فَلَيْسَ يَعْرِفُ النُّبُوَّةَ وَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا سَحَرَةً، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٢٠: ٦٩) .
وَقَدْ أَجَازُوا مِنْ فِعْلِ السَّاحِرِ مَا هُوَ أَطَمُّ مِنْ هَذَا وَأَفْظَعُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سُحِرَ، وَأَنَّ السِّحْرَ عَمِلَ فِيهِ حَتَّى قَالَ فِيهِ: " إِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنِّي أَقُولُ الشَّيْءَ وَأَفْعَلُهُ، وَلَمْ أَقُلْهُ وَلَمْ أَفْعَلْهُ " وَأَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً سَحَرَتْهُ فِي جُفِّ طَلْعَةٍ وَمِشْطٍ وَمُشَاقَةٍ حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا سَحَرَتْهُ فِي جُفِّ طَلْعَةٍ، وَهُوَ تَحْتَ رَاعُوفَةِ الْبِئْرِ فَاسْتُخْرِجَ، وَزَالَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذَلِكَ الْعَارِضُ. وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى مُكَذِّبًا لِلْكُفَّارِ فِيمَا ادَّعَوْهُ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتْبَعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٢٥: ٨) وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ وَضْعِ الْمُلْحِدِينَ تَلَعُّبًا بِالْحَشْوِ وَالطَّغَامِ، وَاسْتِجْرَارًا لَهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالْقَدْحِ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَفِعْلِ السَّحَرَةِ، وَأَنَّ جَمِيعَهُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَجْمَعُ بَيْنَ تَصْدِيقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَإِثْبَاتِ مُعْجِزَاتِهِمْ، وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ فِعْلِ السَّحَرَةِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٢٠: ٦٩) فَصَدَّقَ هَؤُلَاءِ مَنْ كَذَّبَهُ اللهُ وَأَخْبَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute