بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ وَانْتِحَالِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْيَهُودِيَّةُ بِجَهْلِهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ ظَنًّا
مِنْهَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَعْمَلُ فِي الْأَجْسَادِ، وَقَصَدَتْ بِهِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَطْلَعَ اللهُ نَبِيَّهُ عَلَى مَوْضِعِ سِرِّهَا، وَأَظْهَرَ جَهْلَهَا فِيمَا ارْتَكَبَتْ وَظَنَّتْ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِلَ نُبُوَّتِهِ، لَا أَنَّ ذَلِكَ ضَرَّهُ، وَخَلَطَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَلَمْ يَقُلْ كُلُّ الرُّوَاةِ: إِنَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَإِنَّمَا هَذَا اللَّفْظُ زِيدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا أَصْلَ لَهُ.
" وَالْفَرْقُ بَيْنَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوهِ التَّخْيِيلَاتِ، أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ هِيَ عَلَى حَقَائِقِهَا وَبَوَاطِنِهَا كَظَهَائِرِهَا، وَكُلَّمَا تَأَمَّلْتَهَا ازْدَدْتَ بَصِيرَةً فِي صِحَّتِهَا، وَلَوْ جَهِدَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى مُضَاهَاتِهَا وَمُقَابَلَتِهَا بِأَمْثَالِهَا ظَهَرَ عَجْزُهُمْ، وَمَخَارِيقُ السَّحَرَةِ وَتَخْيِيلَاتُهُمْ إِنَّمَا هِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْحِيلَةِ وَالتَّلَطُّفِ؛ لِإِظْهَارِ أُمُورٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَمَا يَظْهَرُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهَا، يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ وَالْبَحْثِ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ بَلَغَ فِيهِ مَبْلَغَ غَيْرِهِ، وَيَأْتِي بِمِثْلِ مَا أَظْهَرَهُ سَوَاءً " اهـ.
هَذَا جُلُّ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ فِي مَعْنَى السِّحْرِ وَحَقِيقَتِهِ، وَعَقَدَ بَعْدَهُ بَابًا فِي ذِكْرِ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ حُكْمِهِ، وَمَا يَجْرِي عَلَى مُدَّعِي ذَلِكَ مِنَ الْعُقُوبَاتِ. وَمِنْهَا الْقَتْلُ كُفْرًا فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلشِّرْكِ وَالْمُسْتَلْزِمَةِ لِلرَّيْبِ
فِي مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ يُثْبِتُونَ مَا أَنْكَرَهُ مِنْ تَأْثِيرِ الْجِنِّ، وَاسْتِخْدَامِ بَعْضِ النَّاسِ لَهُمْ، وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّهُ لَا يَزَالُ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَنْ يَتَوَسَّلُ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْجِنِّ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ السِّحْرِيَّةِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ قَطْعًا، كَرَابِطِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى السَّوْأَتَيْنِ كَمَا عَلِمْتُ مِنْ بَعْضِ الْمُخْتَبِرِينَ لِهَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ بِكِتَابَةِ الْعَزَائِمِ وَالْحُجُبِ لِلْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالْحَبَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَفَاسِدُ فِي ذَلِكَ كَبِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (٧: ٢٧) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute