للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَبَاحِثُ لُغَوِيَّةٌ بَيَانِيَّةٌ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ التَّعْبِيرُ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى فِي السُّورَةِ الْمُتَعَدِّدَةِ

وَمِنْ مَبَاحِثِ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّطَيُّرِ بَيْنَ سِيَاقِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي الْقِصَّةِ، وَسِيَاقِ غَيْرِهَا أَنَّهُ زَادَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ اللَّامَ فِي حَرْفِ التَّسْوِيفِ فَقَالَ: فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٢٦: ٤٩) وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّسْوِيفَ فِي سُورَةِ طَهَ، قَالَ الْإِسْكَافِيُّ فِي هَذِهِ اللَّامِ: إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَقْرِيبِ مَا خَوَّفَهُمْ بِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ حَاضِرٌ مَوْجُودٌ، وَقَالَ: " وَاللَّامُ لِلْحَالِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَوْفَ الَّتِي لِلِاسْتِقْبَالِ إِنَّمَا هُوَ تَحْقِيقُ الْفِعْلِ وَإِدْنَاؤُهُ

مِنَ الْوُقُوعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (١٦: ١٢٤) فَجَمَعَ بَيْنَ اللَّامِ وَبَيْنَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا قَالَهُ تَعَالَى: وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (١٦: ٧٧) وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَكْثَرَ اقْتِصَاصًا لِأَحْوَالِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَعْثِهِ وَابْتِدَاءِ أَمْرِهِ، وَانْتِهَاءِ حَالِهِ مَعَ عَدُوِّهِ، فَجُمِعَتْ لَفْظُ الْوَعِيدِ الْمُبْهَمُ مَعَ اللَّفْظِ الْمُقَرَّبِ لَهُ الْمُحَقَّقِ وُقُوعُهُ إِلَى اللَّفْظِ الْمُفْصِحِ لِمَعْنَاهُ، ثُمَّ وَقَعَ الِاقْتِصَارُ فِي السُّورَةِ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ بِهَا مِنَ اقْتِصَاصِ الْحَالِ مَا ذَكَرَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ عَلَى نَقْصِ مَا فِي مَوْضِعِ الْبَسْطِ وَالشَّرْحِ، وَهُوَ التَّعْرِيضُ بِالْوَعِيدِ مَعَ الْإِفْصَاحِ بِهِ.

(قَالَ) : " فَأَمَّا فِي سُورَةِ طَهَ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِمَا أَوْعَدَهُمْ بِهِ وَتَرَكَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وَقَالَ: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ. . . (٢٠: ٧١) إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ بَدَلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَا يُعَادِلُهَا، وَيُقَارِبُ مَا جَاءَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ الَّتِي هِيَ مِثْلُهَا فِي اقْتِصَاصِ أَحْوَالِهِ مِنَ ابْتِدَائِهَا إِلَى حِينِ انْتِهَائِهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (٢٠: ٧١) فَاللَّامُ وَالنُّونُ فِي " لَتَعْلَمُنَّ " لِإِدْنَاءِ الْفِعْلِ وَتَوْكِيدِهِ، كَمَا أَتَى بِاللَّامِ فِي الشُّعَرَاءِ: فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٢٦: ٤٩) لِإِدْنَاءِ الْفِعْلِ وَتَقْرِيبِهِ، فَقَدْ تَجَاوَزَ مَا فِي السُّورَتَيْنِ الْمَقْصُودَ فِيهِمَا إِلَى اقْتِصَاصِ الْحَالَيْنِ مِنْ إِعْلَاءِ الْحَقِّ وَإِزْهَاقِ الْبَاطِلِ " اهـ.

أَقُولُ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ اللَّامَ لَامُ الِابْتِدَاءِ، وَأَنَّ فَائِدَتَهَا الْأُولَى الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا تَوْكِيدُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ، وَقَدْ سَكَتَ الْإِسْكَافِيُّ عَنِ التَّعْلِيلِ بِهَا عَلَى ظُهُورِهَا، وَعَدَمِ خَفَاءِ شَيْءٍ مِنْ شَوَاهِدِهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى تَوْجِيهِ مَا ذَكَرُوا لِهَذِهِ اللَّامِ مِنْ مَعْنَى الْحَالِ؛ إِذْ قَالُوا: إِنَّ الْفَائِدَةَ الثَّانِيَةَ لَهَا تَخْلِيصُ مَعْنَى الْمُضَارِعِ لِلْحَالِ، نَقَلَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ: إِنَّ ابْنَ مَالِكٍ اعْتَرَضَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (١٦: ١٢٤) وَبِقَوْلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا حَكَاهُ اللهُ عَنْهُ: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ (١٢: ١٣) فَإِنَّ الذَّهَابَ كَانَ مُسْتَقْبَلًا فَلَوْ كَانَ الْحُزْنُ حَالًا لَزِمَ تَقَدُّمُ الْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ عَلَى فَاعِلِهِ مَعَ أَنَّهُ أَثَرُهُ (قَالَ) : وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ الْمُشَاهَدِ - وَأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الثَّانِي؛ قَصَدَ أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ، وَالْقَصْدُ: حَالٌ، اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>