اللهُ تَعَالَى بِمَا عَلِمُوا بِهِ أَنَّ وَعْدَهُ الْمُطْلَقَ فِي قَوْلِهِ: كَتَبَ اللهِ لِأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (٥٨: ٢١) وَقَوْلُهُ:
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٣٠: ٤٧) مُقَيَّدٌ بِمَا فِي الْآيَاتِ الْأُخْرَى كَقَوْلِهِ: إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ (٤٧: ٧) وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (٨: ٤٦) أَجَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (٣: ١٦٥) إِلَى آخِرِ مَا فَصَّلْنَا فِي تَفْسِيرِهَا مَعَ سِيَاقِهَا مِنَ الْجُزْءِ الرَّابِعِ.
نَعَمْ إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْجَزَ وَعْدَهُ الْأَوَّلَ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِجَعْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ لِذُرِّيَّتِهِ، فَجَعَلَهَا أَوَّلًا لِلْمُتَّقِينَ مِنْ آلِ إِسْحَاقَ، ثُمَّ نَزَعَهَا مِنْهُمْ بِظُلْمِهِمْ وَإِفْسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، ثُمَّ أَعْطَاهَا لِلْمُتَّقِينَ مِنْ آلِ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ انْتَزَعَ السُّلْطَانَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ أَيْضًا بِظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَتَجَدَّدَ التَّنَازُعُ فِي رَقَبَتِهَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ - بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَنِي إِسْمَاعِيلَ - بِإِغْرَاءِ الْإِنْكِلِيزِ، الَّذِينَ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، وَأَوْقَعُوا الشِّقَاقَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِيهَا، وَهُمْ أَحَذَقُ الْخَلْقِ فِي ضَرْبِ الشُّعُوبِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَسَتَكُونُ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. بِحَسَبِ سُنَّةِ اللهِ فِي الْبَشَرِ أَجْمَعِينَ، فَلَا يَغْتَرَّنَّ قَوْمُنَا بِالْأَوْهَامِ، وَلَا يَتَّكِلنَّ عَلَى الْمُتَّجِرِينَ بِالْأَقْوَامِ، وَلَا يَنْخَدِعَنَّ بَعْدُ بِشَقَاشِقِ الْكَلَامِ، وَلَا يَنُوطُنَّ الزَّعَامَةَ بِأَصْحَابِ الْأَنْسَابِ الْفَاقِدِينَ لِلْعِلْمِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَسَائِرِ الْأَسْبَابِ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ ثَبَتَتْ مُوَالَاتُهُمْ لِأَعْدَاءِ الْبِلَادِ، وَسَالِبِي اسْتِقْلَالِهَا، وَوَاضِعِي الْخُطَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ لِانْتِزَاعِ رَقَبَتِهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ بِالِانْقِرَاضِ مِنْهَا بِتَعَذُّرِ الْحَيَاةِ عَلَيْهِمْ فِيهَا، لَا بِالْإِبْعَادِ الْقَسْرِيِّ عَنْهَا، بِأَنْ يَكُونَ شَأْنُهُمْ فِي هَذَا كَسُكَّانِ أَمْرِيكَا قَبْلَ اسْتِعْمَارِ الْإِنْكِلِيزِ وَغَيْرِهِمْ لَهَا.
وَلَا مُنْجَاةَ لِعَرَبِ فَلَسْطِينَ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ الْعَظِيمِ الْآتِي مِنْ قِبَلِ شَعْبَيْنِ اثْنَيْنِ هُمَا أَشَدُّ شُعُوبِ الْأَرْضِ قُوَّةً وَثَرْوَةً وَدَهَاءً وَكَيْدًا، وَعِلْمًا وَصَبْرًا وَجَلَدًا، إِلَّا بِاتِّحَادِهِمْ مَعَ سَائِرِ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الِاسْتِبْسَالِ، وَالِاسْتِقْلَالِ فِي الدِّفَاعِ الْحَقِيقِيِّ عَنْ أُمَّتِهِمْ وَبِلَادِهِمْ، وَمَعَ سَائِرِ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الدِّفَاعِ الْمَعْنَوِيِّ عَنِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا اسْتِقْلَالَ لَهُمَا، وَلَا أَمْنَ عَلَيْهِمَا، مَعَ إِحَاطَةِ هَذِهِ الْقُوَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِهِمَا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَخْطُوا خَطْوَةً وَاحِدَةً فِي طَرِيقِ الْوَحْدَةِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ خَطَوْا خَطْوَتَيْنِ وَاسِعَتَيْنِ فِي سَبِيلِ الشِّقَاقِ، وَالتَّفَرُّقِ بَيْنَ الْإِمَارَاتِ الْمُسَلَّحَةِ فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ، نَفَّرُوا بِهِمَا أَكْبَرَ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْهُمْ.
(الْأُولَى) : مُوَالَاةُ صَاحِبِ الْحِجَازِ الَّذِي أَعَانَ الْإِنْكِلِيزَ عَلَى فَتْحِ بِلَادِهِمْ ثُمَّ
كَانَ هُوَ وَأَوْلَادُهُ مُثَبِّتًا لِأَقْدَامِهِمْ فِيمَا جَاوَرَهَا، وَحَائِلًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَائِرِهَا، بِأَنْ أَقَرُّوهُ عَلَى انْتِحَالِهِ لِنَفْسِهِ مَلِكَ الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ، وَعَلَى سَعْيِهِ لِإِخْضَاعِ تِلْكَ الْإِمَارَاتِ لِحُكْمِهِ بِالِاتِّكَالِ عَلَى قُوَّةِ الْغَاصِبِ الْأَجْنَبِيَّةِ، فَلَوْلَا وُجُودُ أَحَدِ أَوْلَادِهِ (عَبْدِ اللهِ) فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِّ مِنْ قِبَلِ الدَّوْلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute