للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَقَدْ أَنْذَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّ ذَلِكَ لِيَتَّقُوا سُوءَ عَاقَبَتِهِ فَكَذَّبُوا بِالْآيَاتِ، وَأَصَرُّوا عَلَى الْجُحُودِ وَالْإِعْنَاتِ.

وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَتَفَكَّرَ تَالِي الْقُرْآنِ فِي

تَأْثِيرِ الْإِيمَانِ وَالْوَحْيِ فِي مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ؛ إِذْ تَصَدَّيَا لِأَعْظَمِ مَلِكٍ فِي أَعْظَمِ دَوْلَةٍ فِي الْأَرْضِ، قَاهِرَةٍ لِقَوْمِهِمَا، وَمُعَبِّدَةٍ لَهُمْ فِي خِدْمَتِهَا مُنْذُ قُرُونٍ كَثِيرَةٍ، فَدَعَوَاهُ إِلَى الرُّجُوعِ عَنِ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ، وَتَعْبِيدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنْذَرَاهُ وَهَدَّدَاهُ، وَمَا زَالَا يُكَافِحَانِهِ بِالْحُجَجِ وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ حَتَّى أَظْفَرَهُمَا اللهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَنْقَذَا قَوْمَهُمَا مِنْ ظُلْمِهِ وَظُلْمِ قَوْمِهِ.

فَجَدِيرٌ بِالْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْتَقِلُوا مِنَ التَّفَكُّرِ فِي هَذَا إِلَى التَّفَكُّرِ فِي وَعْدِ اللهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ، كَمَا وَعَدَ الْمُرْسَلِينَ إِذَا هُمْ قَامُوا بِمَا أَمَرَهُمْ تَعَالَى بِهِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، وَأَلَّا يَسْتَعْظِمُوا فِي هَذِهِ السَّبِيلِ قُوَّةَ الدَّوْلَةِ الظَّالِمَةِ لَهُمْ، فَإِنَّ قُوَّةَ الْحَقِّ الَّتِي نَصَرَهَا اللهُ تَعَالَى بِرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ عَلَى أَعْظَمِ الدُّوَلِ لَا تُغْلَبُ إِذَا نَصَرْنَاهَا، وَنَحْنُ مِئَاتُ الْمَلَايِينِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ (٤٧: ٧) وَيَقُولُ: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٣٠: ٤٧)

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَجَدَّدَ عِنْدَنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبَارَكَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهُوَ مُحَاوَلَةُ الْيَهُودِ انْتِزَاعَهَا مِنْ أَيْدِي أَهْلِهَا الْعَرَبِ، وَتَنَازَعُ الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَ وَعْدِ اللهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِهَذِهِ الْأَرْضِ، وَمَا أَنْجَزَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَمِنَ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا فِي هَذَا الْعَصْرِ، فَلْيَتَأَمَّلِ الْمُعْتَبِرُ فِي وَعْدِ اللهِ تَعَالَى بِهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ وَعْدِهِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا لِلْعَرَبِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عَلَى لِسَانِ خَاتَمِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَآلِهِمُ الصَّالِحِينَ الْمُصْلِحِينَ، وَلَعْنَتُهُ وَخِزْيُهُ عَلَى الْفَاسِدِينَ الْمُفْسِدِينَ الْمُضِرِّينَ. فَقَدْ أَنْجَزَ اللهُ تَعَالَى وَعْدَهُ لِلْفَرِيقَيْنِ عِنْدَمَا كَانُوا مُتَّقِينَ، وَأَخْطَأَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ فِي عَصْرِ رَسُولِهِمْ فَأَدَّبَهُمِ اللهُ تَعَالَى بِمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ.

أَرَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ مُوسَى مِنْ مِصْرَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ تِلْكَ الْأَرْضُ، بِغَيْرِ عَمَلٍ مِنْهُمْ وَلَا سَعْيٍ، فَامْتَنَعُوا مِنْ قِتَالِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجَبَّارِينَ، قَالُوا لِمُوسَى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٥: ٢٤) فَحَرَّمَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ، كَمَا عَرَضَ الْغُرُورُ لِبَعْضِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ فِي عَصْرِ الرَّسُولِ الْأَعْظَمِ بِمَا كَانَ مِنْ نَصْرِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالزَّادِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ يُنْصَرُونَ كَمَا وُعِدُوا، وَإِنْ قَصَّرُوا فِيمَا أُمِرُوا، فَلَمَّا أُصِيبُوا بِهِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ تَعَجَّبُوا وَاسْتَفْهَمُوا، فَأَجَابَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>