للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَصَحِّهَا فِي كِتَابَةِ تَارِيخِهِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا التَّارِيخَ فُقِدَ مَعَ مَا فُقِدَ فِي حَرِيقِ مَكْتَبَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ سِوَى مُقْتَطَفَاتٍ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ الْيُونَانِيَّةِ، وَقَدْ أَيَّدَ أَكْثَرُ هَذِهِ الْمُقْتَطَفَاتِ مَا اكْتُشِفَ حَدِيثًا مِنَ الْآثَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالْمَكْتُوبَاتِ الْعَتِيقَةِ مَعَ أَنَّ آبَاءَ النَّصْرَانِيَّةِ كِيُوسِيبْيُوسَ حَرَّفُوا كَعَادَتِهِمْ كَثِيرًا مِمَّا نَقَلُوهُ مِنْهَا لِتُطَابِقَ نُصُوصَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ لِيَنْجُ فِي كِتَابِهِ " الْأُصُولِ الْبَشَرِيَّةِ " ص١١ مِنْهُ اهـ.

وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا تَمَامُ الشَّيْءِ: وُصُولُهُ إِلَى آخِرِ حَدِّهِ، وَكَلِمَةُ اللهِ: وَعْدُهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِإِهْلَاكِ عَدُوِّهِمْ، وَاسْتِخْلَافِهِمْ فِي الْأَرْضِ. فِي مَجَازِ الْأَسَاسِ، وَتَمَّ عَلَى أَمْرٍ: مَضَى عَلَيْهِ، وَتَمَّ عَلَى أَمْرِكَ، وَتَمَّ

إِلَى مَقْصِدِكَ، وَالْمَعْنَى: نَفَذَتْ كَلِمَةُ اللهِ، وَمَضَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ تَامَّةً كَامِلَةً؛ بِسَبَبِ صَبْرِهِمْ عَلَى الشَّدَائِدِ الَّتِي كَابَدُوهَا مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، إِذْ كَانَ وَعْدُ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ مَقْرُونًا بِأَمْرِهِمْ بِالصَّبْرِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالتَّقْوَى لَهُ كَمَا أَمَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَبْلِيغًا عَنْهُ تَعَالَى. رَاجِعْ: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا الْآيَةَ، مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَإِذْ كَانَ قَدْ تَمَّ وَعْدُ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ بِذَلِكَ ثُمَّ سَلَبَهُمُ اللهُ تِلْكَ الْأَرْضَ بِظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلنَّاسِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ مُقْتَضَى الْوَعْدِ أَنْ يَعُودُوا إِلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ، وَنَفَذَ صِدْقًا وَعَدْلًا.

وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ التَّدْمِيرُ: إِدْخَالُ الْهَلَاكِ عَلَى السَّالِمِ وَالْخَرَابِ عَلَى الْعَامِرِ، الْعَرْشُ: رَفْعُ الْمَبَانِي وَالسَّقَائِفِ لِلنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ الْمُتَسَلِّقِ كَعَرَائِشِ الْعِنَبِ، وَمِنْهُ عَرْشُ الْمَلِكِ، وَالْمُرَادُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ أَوَّلًا، وَبِالذَّاتِ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِظُلْمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَيْدِ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَالْأَوَّلُ كَالْمَبَانِي الَّتِي كَانُوا يَبْنُونَهَا لِلْمِصْرِيِّينَ أَوْ يَصْنَعُونَ اللَّبَنَ لَهَا، وَمِنْهَا الصَّرْحُ الَّذِي أُمِرَ هَامَانُ بِبِنَائِهِ؛ لِيَرْقَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَيَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى، وَالثَّانِي: كَالْمَكَايِدِ السِّحْرِيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ الَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا السَّحَرَةُ؛ لِإِبْطَالِ آيَاتِهِ أَوِ التَّشْكِيكِ فِيهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ (٢٠: ٦٩) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لِأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمِلَهُ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (٤٠: ٣٦، ٣٧) وَالتَّبَابُ بِمَعْنَى الدَّمَارِ.

وَأَمَّا أَسْبَابُ هَذَا التَّدْمِيرِ لِذَلِكَ الصُّنْعِ وَالْعُرُوشِ فَأَوَّلُهَا: الْآيَاتُ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ تَعَالَى بِهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ وَغَيْرِهَا -، وَتُسَمَّى فِي التَّوْرَاةِ الضَّرَبَاتِ، وَفِيهَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي ضَرَرِهَا وَتَخْرِيبِهَا مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ، وَذَكَرْنَا بَعْضَهُ - وَيَلِيهَا: إِنْجَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَحِرْمَانُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ مِنَ اسْتِعْبَادِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَثَالِثُهَا: هَلَاكُ مَنْ غَرَقَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَحِرْمَانُ الْبِلَادِ وَسَائِرِ الْأُمَّةِ مِنْ ثَمَرَاتِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعُمْرَانِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْهَا، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>