للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّيْءِ: الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ، وَمُلَازَمَتُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ، وَمِنْهُ الْعُكُوفُ وَالِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مُلَازَمَتُهُ لِأَجْلِ الْعِبَادَةِ. قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (يَعْكِفُونَ) بِكَسْرِ الْكَافِ مِنْ بَابِ جَلَسَ يَجْلِسُ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا مِنْ بَابِ قَعَدَ يَقْعُدُ، وَالْأَصْنَامُ: جَمْعُ صَنَمٍ، وَهُوَ مَا يُصْنَعُ مِنَ الْخَشَبِ أَوِ الْحَجَرِ أَوِ الْمَعْدِنِ مِثَالًا لِشَيْءٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ خَيَالِيٍّ أَوْ مُذَكِّرًا بِهِ لِيُعَظَّمَ تَعْظِيمَ الْعِبَادَةِ، وَاتَّخَذَ بَعْضُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ صَنَمًا مِنْ عَجْوَةِ التَّمْرِ فَعَبَدُوهُ ثُمَّ جَاعُوا فَأَكَلُوهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التِّمْثَالِ: أَنَّ هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِشَيْءٍ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْعِبَادَةِ، وَحِينَئِذٍ يُسَمَّى صَنَمًا، وَقَدْ يَكُونُ لِلزِّينَةِ كَالَّذِي نَرَاهُ عَلَى جُدْرَانِ بَعْضِ الْقُصُورِ الْمُشَيَّدَةِ أَوْ أَبْوَابِهَا أَوْ فِي حَدَائِقِهَا، وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ غَيْرِ الدِّينِيِّ كَالتَّمَاثِيلِ الَّتِي تُنْصَبُ لِبَعْضِ الْمُلُوكِ، وَكِبَارِ عُلَمَاءِ الدُّنْيَا أَوِ الْقُوَّادِ وَالزُّعَمَاءِ؛ لِلتَّذْكِيرِ بِتَارِيخِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَيَكْثُرُ هَذَا فِي بِلَادِ الْإِفْرِنْجِ، وَقَلَّدَهُمْ بَعْضُ بِلَادِ الشَّرْقِ كَمِصْرَ، فَنَصَبَتْ حُكُومَتُهَا تَمَاثِيلَ لِبَعْضِ أُمَرَاءِ بَيْتِ الْمَلِكِ الْحَاضِرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا التَّعْظِيمِ السِّيَاسِيِّ أَوِ الْعِلْمِيِّ، وَبَيْنَ تَعْظِيمِ الْعِبَادَةِ: أَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْأَوَّلِ إِمَّا رِفْعَةُ شَأْنِ الدَّوْلَةِ، وَتَمْكِينُ سُلْطَانِهَا عَلَى أَنْفُسِ الْأُمَّةِ بِمُشَاهِدَةِ صُوَرِ مُلُوكِهَا، وَكُبَرَاءِ رِجَالِهَا وَتَمَاثِيلِهِمْ، وَهُوَ قَصْدٌ سِيَاسِيٌّ صَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِهِ - وَإِمَّا بَعْثُ شُعُورِ حُبِّ الْعِلْمِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِالْعُلَمَاءِ وَالْأُدَبَاءِ وَالزُّعَمَاءِ الَّذِينَ نَفَعُوا أُمَّتَهُمْ، عَسَى أَنْ يُوجَدَ فِي الْمُسْتَعِدِّينَ مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُمْ أَوْ خَيْرًا مِنْهُمْ، وَهُوَ قَصْدٌ اجْتِمَاعِيٌّ صَحِيحٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ التَّرْبِيَةِ، وَأَمَّا تَعْظِيمُ الْعِبَادَةِ فَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّقَرُّبُ مِنَ الْمَعْبُودِ، وَطَلَبُ ثَوَابِهِ بِدَفْعِ ضَرَرٍ أَوْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْغَيْبِ لَا الْكَسْبِ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْبَابِ الْعَامَّةِ، فَتَعْظِيمُ الشَّيْءِ الَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّ لَهُ سُلْطَةً غَيْبِيَّةً أَوْ تَعْظِيمُ مَا يُذَكَرُ بِهِ مِنْ صُورَةٍ أَوْ تِمْثَالٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آثَارِهِ؛ لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَقَصْدِ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا تُنَالُ بِالْأَسْبَابِ الْعَامَّةِ -، وَهِيَ مَا لَا يُطْلَبُ إِلَّا مِنَ اللهِ تَعَالَى، أَوْ لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِجَاهِهِ - كُلُّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَإِنْ قَصَدَ الْمُعَظِّمُ لِذَلِكَ الشَّيْءِ، أَوْ لِمَا يَذْكَرُ بِهِ الِانْتِفَاعَ بِهِ نَفْسِهِ بِمَا ذَكَرَ مِنَ التَّعْظِيمِ بِالْقَوْلِ كَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغَاثَةِ أَوْ بِالْفِعْلِ كَالطَّوَافِ بِتِمْثَالِهِ أَوْ قَبْرِهِ، وَتَقْبِيلِهِ وَالتَّمَرُّغِ بِأَرْضِهِ - كَانَتِ الْعِبَادَةُ خَالِصَةً

لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ، وَإِنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى لِيَحْمِلَهُ بِجَاهِهِ عَلَى إِعْطَائِهِ مَا يُرِيدُ كَانَتِ الْعِبَادَةُ لَهُ، وَلِلَّهِ تَعَالَى بِالِاشْتِرَاكِ، وَهَذَا مِنْ مَظَاهِرِ الشِّرْكِ الْجَلِيِّ الَّتِي لَا يُخْرِجُهَا تَغْيِيرُ التَّسْمِيَةِ عَنْ كَوْنِهَا كُفْرًا أَوْ شِرْكًا.

اسْتِطْرَادٌ فِقْهِيٌّ

حَظَرَ الشَّرْعُ الْإِسْلَامِيُّ نَصْبَ التَّمَاثِيلِ؛ لِأَنَّهَا إِمَّا شِرْكٌ أَوْ ذَرِيعَةٌ إِلَيْهِ، أَوْ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِهِ، وَهِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي التَّدَلِّي، فَأَغْلَظُهَا أَوَّلُهَا، وَأَخَفُّهَا ثَالِثُهَا. وَلِلتَّشَبُّهِ دَرَجَاتٌ فِي الْحَظْرِ أَشَدُّهَا مَا كَانَ فِي أُمُورِ الدِّينِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا، وَأَهْوَنُهَا مَا كَانَ فِي الْعَادَاتِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>