للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَاجِدٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَفْعَ رَأْسِهِ حَتَّى جَاءَتِ ابْنَتُهُ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَأَلْقَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ؟ وَهَمَّ أَبُو جَهْلٍ مَرَّةً أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَكَفَّهُ اللهُ عَنْهُ؟

قَالَ - تَعَالَى -: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً هَذَا السِّيَاقُ مَعْطُوفٌ عَلَى السِّيَاقِ الَّذِي قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ الْآيَاتِ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ (وَعَدْنَا) مِنَ الْوَعْدِ وَالْبَاقُونَ (وَاعَدْنَا) مِنَ الْمُوَاعَدَةِ، فَقِيلَ: إِنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى الْوَعْدِ، وَقِيلَ: إِنَّ فِيهَا صِيغَةَ الْمُفَاعَلَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - ضَرَبَ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَوْعِدًا لِمُكَالَمَتِهِ، وَإِعْطَائِهِ الْأَلْوَاحَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ فَقَبِلَ ذَلِكَ ثُمَّ صَعِدَ جَبَلَ سَيْنَاءَ فِي أَوَّلِ الْمَوْعِدِ، وَهَبَطَ فِي آخِرِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الشَّيْءِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَالتَّلَاقِي فِي مَكَانٍ

مُعَيَّنٍ أَوْ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ، وَبَيْنَ الْوَعْدِ بِهِ مِنْ وَاحِدٍ لِآخَرَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْوَفَاءِ، كَقَوْلِكَ لِآخَرَ: سَأَدْعُو اللهَ لَكَ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَثَلًا - فَهَذَا وَعْدٌ مَحْضٌ، وَذَاكَ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ كَعِبَارَةِ الْآيَةِ، وَالْمِيقَاتُ أَخَصُّ مِنَ الْوَقْتِ، فَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي قُرِّرَ فِيهِ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ كَمَوَاقِيتِ الْحَجِّ. وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (٥: ٥١) وَهُوَ إِجْمَالٌ لِمَا فُصِّلَ هُنَا مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَافَ مَكِّيَّةٌ وَالْبَقَرَةَ مَدَنِيَّةٌ فَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهَا فِي النُّزُولِ، وَالْمُرَادُ بِاللَّيْلَةِ مَا يَشْمَلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.

رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ أَنَّ مُوسَى قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّ رَبِّي وَاعَدَنِي ثَلَاثِينَ لَيْلَةً أَنْ أَلْقَاهُ وَأَخْلِفَ هَارُونَ فِيكُمْ، فَلَمَّا وَصَلَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ زَادَهُ اللهُ عَشْرًا فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي الْعَشْرِ الَّتِي زَادَهُ اللهُ - وَذَكَرَ قِصَّةَ عِجْلَ السَّامِرِيِّ - وَرَوَى الثَّانِي عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ يَعْنِي ذَا الْقِعْدَةِ وَعَشْرًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَمَكَثَ عَلَى الطَّوْرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ فِي الْأَلْوَاحِ، فَقَرَّبَهُ الرَّبُّ نَجِيًّا وَكَلَّمَهُ، وَسَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمْ يُحدثْ فِي الْأَرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتَّى هَبَطَ مِنَ الطَّوْرِ، وَفِي مَعْنَى هَذَا رِوَايَاتٌ أُخْرَى صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذَا الزَّمَنَ ضُرِبَ لِمُنَاجَاةِ مُوسَى رَبَّهُ فِي الْجَبَلِ مُنْقَطِعًا فِيهِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِمَا وَرَدَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قِصَّةِ السَّامِرِيِّ، وَعِبَادَةِ الْعِجْلِ فِي غَيْبَةِ مُوسَى وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِهَارُونَ: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (٢٠: ٩١) وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَهُ - " لَمَّا أَتَى مُوسَى رَبَّهُ، وَأَرَادَ أَنْ يُكَلِّمَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا، وَقَدْ صَامَ لَيْلَهُنَّ وَنَهَارَهُنَّ فَكَرِهَ أَنْ يُكَلِّمَ رَبَّهُ وَرِيحُ فَمِهِ - رِيحُ فَمِ الصَّائِمِ - فَتَنَاوَلَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَمَضَغَهُ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: لِمَ أَفْطَرْتَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>