أَيْ رَبِّ، كَرِهْتُ أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلَّا وَفَمِي طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، قَالَ: أَوْ مَا عَلِمْتَ يَا مُوسَى أَنَّ فَمَ الصَّائِمِ عِنْدِي أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ؟ اذْهَبْ فَصُمْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ ائْتِنِي، فَفَعَلَ مُوسَى الَّذِي أَمَرَهُ رَبُّهُ " وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ السَّنَدِ وَمَتْنُهُ مَعَارِضٌ بِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ آيَاتِ قِصَّةِ السَّامِرِيِّ وَمِنَ الرِّوَايَاتِ بِمَعْنَاهَا.
وَيَسْتَدِلُّ الصُّوفِيَّةُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَيَّامِ خَلْوَتِهِمُ الَّتِي يَصُومُونَ أَيَّامَهَا
الْأَرْبَعِينَ لَا يُفْطِرُونَ إِلَّا عَلَى حَبَّاتِ الزَّبِيبِ، لِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْتَأْنَسَ بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ لِلتَّفَرُّغِ لِذِكْرِ اللهِ وَمُنَاجَاتِهِ بِالصَّلَاةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَيُجْعَلُ مَقْصِدًا لَا وَسِيلَةً.
وَهَذَا مَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ الْحَاضِرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ (٢٤: ١٢ وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى اصْعَدْ إِلَى الْجَبَلِ، وَكُنْ هُنَاكَ فَأُعْطِيكَ لَوْحَيِ الْحِجَارَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ (١٣) فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ اللهِ (١٤) وَأَمَّا الشُّيُوخُ فَقَالَ لَهُمْ: اجْلِسُوا هَاهُنَا، وَهُو ذَا هَارُونُ وَحُورُ مَعَكُمْ، فَمَنْ كَانَ صَاحِبُ دَعْوَى فَلْيَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمَا (١٥) فَصَعِدَ مُوسَى إِلَى الْجَبَلِ فَغَطَّى السَّحَابُ الْجَبَلَ وَحَلَّ مَجْدُ الرَّبِّ عَلَى جَبَلِ سَيْنَاءَ وَغَطَّاهُ السَّحَابُ سِتَّةَ أَيَّامٍ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ دَعَى مُوسَى مِنْ وَسَطِ السَّحَابِ (١٧) وَكَانَ مَنْظَرُ مَجْدِ الرَّبِّ كَنَارٍ آكِلَةٍ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ أَمَامَ عُيُونِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَدَخَلَ مُوسَى فِي وَسَطِ السَّحَابِ وَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ مُوسَى فِي الْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً) اهـ.
وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْهُ مَا نَصُّهُ أَيْضًا (٣٤: ٢٧ وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ (٢٨) وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً، فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ الْكَلِمَاتِ الْعَشْرَ) اهـ.
وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ يَعْنِي: أَنَّ مُوسَى لَمَّا أَرَادَ الذَّهَابَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ أَخَاهُ الْكَبِيرَ هَارُونَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَالْإِصْلَاحِ فِيهِمْ؛ إِذْ كَانَتِ الرِّيَاسَةُ فِيهِمْ لِمُوسَى، وَكَانَ هَارُونُ وَزِيرَهُ وَنَصِيرَهُ وَمُسَاعِدَهُ كَمَا سَأَلَ رَبَّهُ بِقَوْلِهِ: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٢٠: ٢٩ - ٣٢) وَأَوْصَاهُ بِالْإِصْلَاحِ فِيهِمْ وَفِيمَا بَيْنَهُمْ، وَنَهَاهُ عَنِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، وَالْإِفْسَادُ أَنْوَاعٌ بَعْضُهَا جَلِيٌّ وَبَعْضُهَا خَفِيٌّ، وَمِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَسِيلَةٌ وَمَقْصِدٌ، فَمِنْهَا الْحَرَامُ الْبَيِّنُ، وَمِنْهَا الذَّرَائِعُ الْمُشْتَبِهَاتُ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ، وَيَأْخُذُ التَّقِيُّ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ الْمُفْسِدِينَ يَشْمَلُ مُشَارَكَتَهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَمُسَاعَدَتَهُمْ عَلَيْهَا، وَمُعَاشَرَتَهُمْ وَالْإِقَامَةَ مَعَهُمْ فِي حَالِ اقْتِرَافِهَا، وَلَوْ بَعْدَ الْعَجْزِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute