للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْدَّكُّ: الدَّقُّ أَوْ ضَرْبٌ مِنْهُ، قَالَ فِي الْأَسَاسِ: دَكَكْتُهُ دَقَقْتُهُ، وَدَكَّ الرَّكِيَّةِ كَبَسَهَا، وَجَمَلٌ أَدَكُّ وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ: لَا سَنَامَ لَهُمَا، وَانْدَكَّ السَّنَامُ: افْتَرَشَ عَلَى الظَّهْرِ، وَنَزَلْنَا بِدَكْدَاكٍ: رَمْلٌ مُتَلَبِّدٌ بِالْأَرْضِ اهـ، وَأَقُولُ: إِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدَّقِّ وَالدَّكِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ الْعَامِّ الْمَوْرُوثِ عَنِ الْعَرَبِ - أَنَّ الدَّقَّ مَا يُخْبَطُ بِهِ الشَّيْءُ لِيَتَفَتَّتَ، وَيَكُونُ أَجْزَاءً دَقِيقَةً وَمِنْهُ الدَّقِيقُ، وَكَانَ الْقَمْحُ فِي عُصُورِ الْبَدَاوَةِ الْأُولَى يُدَقُّ بِالْحِجَارَةِ فَيَكُونُ دَقِيقًا، ثُمَّ اهْتَدَوْا إِلَى الْأَرْحِيَةِ الَّتِي تَسْحَقُهُ وَتَطْحَنُهُ، وَأَمَّا الدَّكُّ فَهُوَ الْهَدْمُ وَالْخَبْطُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الشَّيْءُ الْمَدْكُوكُ مُلَبَّدًا وَمُسْتَوِيًا، يُقَالُ: أَرْضٌ مَدْكُوكَةٌ، وَطَرِيقٌ مَدْكُوكَةٌ، وَدَكَّ الْحُفْرَةَ وَالرَّكِيَّةَ (أَيِ الْبِئْرَ غَيْرَ الْمَطْوِيَّةِ) دَفَنَهَا وَطَمَّهَا، وَلَا تَزَالُ سَلَائِلُ الْعَرَبِ تَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْمَادَّةَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَيُسَمُّونَ مَا يُوضَعُ فِي الْحُفْرَةِ أَوِ الرَّكِيَّةِ مِنَ الْحَصَا وَالْحَصْبَاءِ؛ لِأَجْلِ تَسْوِيَتِهَا " الدَّكَّةَ ". قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ غَيْرَ مُنَوَّنٍ؛ أَيْ: أَرْضًا مُسْتَوِيَةً كَالنَّاقَةِ الَّتِي لَا سَنَامَ لَهَا، وَالْجُمْهُورُ (جَعَلَهُ دَكًّا) بِالْمَصْدَرِ؛ أَيْ: مَدْكُوكًا دَكًّا، وَمِثْلُهُ فِي السَّدِّ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ.

وَالْخُرُورُ وَالْخَرُّ: السُّقُوطُ مِنْ عُلُوٍّ وَالِانْكِبَابُ عَلَى الْأَرْضِ، وَمِنْهُ: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٧: ١٠٧) وَالصَّعِقُ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ: صِفَةٌ مِنَ الصَّعَقِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ تَأْثِيرِ نُزُولِ نُزُولِ الصَّاعِقَةِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ إِغْمَاءٍ ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ بِإْطْلَاقِهِ عَلَى مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، قَالَ الْفَيُّومِيُّ فِي الْمِصْبَاحِ: صَعِقَ صَعَقًا مِنْ بَابِ تَعِبَ: مَاتَ، وَصَعِقَ: غُشِيَ عَلَيْهِ لِصَوْتٍ سَمِعَهُ، وَالصَّعْقَةُ الْأُولَى: النَّفْخَةُ، وَالصَّاعِقَةُ: النَّازِلَةُ مِنَ الرَّعْدِ، وَالْجَمْعُ صَوَاعِقُ، وَلَا تُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا دَكَّتْهُ وَأَحْرَقَتْهُ اهـ.

وَأَحْسَنُ مَا وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ لِهَذِهِ الْآيَةِ مُطَابِقًا لِمَتْنِ اللُّغَةِ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الرُّؤْيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ

قَالَ: مَا تَجَلَّى مِنْهُ إِلَّا قَدْرَ الْخِنْصَرِ جَعْلَهُ دَكًّا قَالَ: تُرَابًا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا قَالَ: مَغْشِيًّا عَلَيْهِ اهـ. وَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ - أَيِ الْجَبَلُ - كَانَ حَجَرًا أَصَمَّ فَلَمَّا تَجَلَّى لَهُ صَارَ تَلًّا تُرَابًا دَكًّا مِنَ الدَّكَاوَاتِ - أَيْ: مُسْتَوِيًا بِالْأَرْضِ - وَلَوْلَا ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ صَيْرُورَتَهُ تُرَابًا، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الدَّكَّاءِ وَالْمَدْكُوكِ لَا يُنَافِي اسْتِقْرَارَ الْجَبَلِ مَكَانَهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ أَيْضًا أَنَّهُ سَاخَ، أَيْ: غَاصَ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ يَتَّفِقُ مَعَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، أَيْ: أَنَّهُ رُجَّ بِالتَّجَلِّي رَجًّا بُسَّتْ بِهَا حِجَارَتُهُ بَسًّا، وَسَاخَ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ رَبْوَةً دَكَّاءَ كَالرَّمْلِ الْمُتَلَبِّدِ.

وَالْمَعْنَى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أَقَلَّ التَّجَلِّي وَأَدْنَاهُ انْهَدَّ وَهَبَطَ مِنْ شِدَّتِهِ، وَعَظَمَتِهِ وَصَارَ كَالْأَرْضِ الْمَدْكُوكَةِ أَوِ النَّاقَةِ الدَّكَّاءِ - وَسَقَطَ مُوسَى عَلَى وَجْهِهِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَمَنْ أَخَذَتْهُ الصَّاعِقَةُ، وَالتَّجَلِّي وَإِنَّمَا كَانَ الْجَبَلُ دُونَهُ، فَكَيْفَ لَوْ كَانَ لَهُ؟ !

<<  <  ج: ص:  >  >>