للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ الْوَاهِيَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ غَرَائِبٌ وَعَجَائِبٌ أَكْثَرُهَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، أَمْثَلُ الْمَرْفُوعِ مِنْهَا مَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: " قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا قَالَ: - وَوَضَعَ الْإِبْهَامَ قَرِيبًا مِنْ طَرَفِ خِنْصَرِهِ - فَسَاخَ الْجَبَلُ " وَفِي لَفْظٍ زِيَادَةُ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَقَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ لِثَابِتٍ: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا؟ فَضَرَبَ صَدْرَهُ - أَيْ صَدْرَ حُمَيْدٍ - وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا حُمَيْدُ؟ يُحَدِّثُنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ أَنْتَ: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا! " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ - وَصَحَّحَهُ - وَأَبْنَاءُ جَرِيرٍ وَالْمُنْذِرُ وَأَبِي حَاتِمٍ وَعَدِيٌّ فِي الْكَامِلِ، وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ - وَصَحَّحَهُ - وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الرُّؤْيَةِ، وَقَدِ انْفَرَدَ بِهِ عِنْدَ مُصَحِّحِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَهُ طَرِيقَانِ آخَرَانِ عِنْدَ دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ لَا يَصِحَّانِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَالْمُرَادُ مِنَ التَّمْثِيلِ بِالْإِبْهَامِ وَالْخِنْصَرِ أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ التَّجَلِّي وَأَدْنَاهُ، وَسَيَأْتِي مِنَ الصَّحِيحِ مَا يُؤَيِّدُ مَعْنَاهُ.

وَمَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَأَوْهَاهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا " لَمَّا تَجَلَّى اللهُ لِلْجَبَلِ طَارَتْ لِعَظَمَتِهِ سِتَّةُ أَجْبُلٍ فَوَقَعَتْ ثَلَاثَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَةٌ بِمَكَّةَ. . . " وَذَكَرَ أَسْمَاءَهَا، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ بَلْ مُنْكَرٌ. أَقُولُ: وَلَا يَدْخُلُ

مِنْ أَلْفَاظِ الْآيَةِ وَلَا مَعْنَاهَا فِي شَيْءٍ.

فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: (فَلَمَّا أَفَاقَ) مُوسَى مِنْ غَشْيِهِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِفَاقَةِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْجُمْهُورِ لِلصَّعِقِ بِالْغَشْيِ، وَبُطَلَانِ تَفْسِيرِ قَتَادَةَ لَهُ بِالْمَوْتِ، وَقَالَ بِهِ بَعْضُ شُذَّاذِ الصُّوفِيَّةِ وَادَّعُوا أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فَمَاتَ، أَوْ مَاتَ ثُمَّ رَأَى رَبَّهُ، وَلَوْ مَاتَ لَقَالَ - تَعَالَى - " فَلَمَّا بُعِثَ " إِلَخْ. كَمَا قَالَ فِي السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَذَهَبُوا مَعَهُ إِلَى الْجَبَلِ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُرِيَهُمُ اللهُ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فَإِنَّهُ قَالَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢: ٥٦) كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَسَيَأْتِي خَبَرُهُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ - قَالَ سُبْحَانَكَ أَيْ: تَنْزِيهًا لَكَ وَتَقْدِيسًا عَمَّا لَا يَنْبَغِي فِي شَأْنِكَ مِمَّا سَأَلْتُكَ أَوْ مِنْ لَوَازِمِهِ - أَوْ كَمَا حَكَى - تَعَالَى - عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ (١١: ٤٧) وَأَكْثَرُ مُفَسِّرِي أَهْلِ السُّنَّةِ يَجْعَلُونَ وَجْهَ التَّنْزِيهِ وَالتَّوْبَةِ أَنَّهُ سَأَلَ الرُّؤْيَةَ بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ اللهِ - تَعَالَى -، وَنَفْيُ الْعِلْمِ إِنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِمَعْنَى أَنَّ مَا سَأَلَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، لَا أَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي نَفْسِهِ، وَغَيْرُ وَاقِعٍ أَلْبَتَّةَ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ. وَمَعْنَى التَّوْبَةِ: الرُّجُوعُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الرُّجُوعُ عَمَّا طَلَبَ إِلَى الْوُقُوفِ مَعَ الرَّبِّ - تَعَالَى - عِنْدَ مُنْتَهَى حُدُودِ الْأَدَبِ. قَالَ مُجَاهِدٌ تُبْتُ إِلَيْكَ أَنْ أَسْأَلَكَ الرُّؤْيَةَ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>