للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لِعَظَمَتِهِ لَا يُدْرَكُ بِحَيْثُ يُحَاطُ بِهِ، فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِالشَّيْءِ وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لُغَةً بِمَا نَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ بِمَا أَوْرَدْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، فَقَدْ حَقَّقْنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لِلْإِدْرَاكِ، وَأَلْمَمْنَا بِمَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِي الرُّؤْيَةِ، وَوَعَدْنَا بِتَفْصِيلِ الْكَلَامِ فِيهَا عِنْدَ تَفْسِيرِ آيَةِ الْأَعْرَافِ الَّتِي نَحْنُ فِي صَدَدِ تَفْسِيرِهَا الْآنَ.

(وَجَوَابُنَا) عَمَّا ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الدَّقَائِقَ اللُّغَوِيَّةَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى أَكْثَرِ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ، وَكَذَا أَهْلُ السَّلِيقَةِ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا، فَكَيْفَ يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا:إِنَّهُ نَصٌّ قَطْعِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ؟

وَغَرَضُنَا مِنْ هَذَا التَّطْوِيلِ بِبَيَانِ حُجَجِ كُلِّ فَرِيقٍ إِقْنَاعُ أَهْلِ الْبَصِيرَةِ فِي الدِّينِ وَالْإِخْلَاصِ فِي جَمْعِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، مِنَ الْمُسْتَقِلِّينَ فِي الْفَهْمِ وَالرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ حَتَّى الْمَوْلُودِينَ فِي مُهُودِ الْمَذَاهِبِ، وَالنَّاشِئِينَ فِي حُجُورِ الْأَحْزَابِ وَالشِّيَعِ، أَنْ يَجْتَهِدُوا فِي التَّوْفِيقِ وَالتَّأْلِيفِ، وَمَنْعِ جَعْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ أَسْبَابِ التَّفْرِيقِ، فَضْلًا عَنْ جَعْلِهَا مِنْ أَسْبَابِ التَّكْفِيرِ أَوِ التَّفْسِيقِ، وَلْيَعْذُرْنَا مَنْ يَرَانَا نُخَالِفُ فَهْمَهُ أَوْ مَذْهَبَهُ فِي تَرْجِيحِنَا لِلْمَأْثُورِ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِيهَا، وَفِي جَمِيعِ أُمُورِ الدِّينِ ثُمَّ لْيَعْذُرْنَا إِخْوَانُنَا السَّلَفِيُّونَ فِي تَقْرِيبِ مَذْهَبِ السَّلَفِ إِلَى الْعُقُولِ الَّتِي لَا يُرْجَى أَنْ تَهْتَدِيَ بِهِ وَتَأْخُذَهُ بِالْقَبُولِ إِلَّا بِإِثْبَاتِهِ بِمَا أَلِفَتْ مِنْ طُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ وَإِيضَاحِهِ بِمَا يُقَرِّبُهُ إِلَيْهَا مِنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ، وَقَدْ سَبَقَ لَنَا تَحْقِيقُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا بِفَتْوَى نُشِرَتْ فِي ص ٢٨٢ - ٢٨٨ مِنَ الْمُجَلَّدِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنَ الْمَنَارِ، فَيَحْسُنُ أَنْ تُضَافَ إِلَى هَذَا الْبَحْثِ، وَأَنْ يُلَخَّصَ الْمَوْضُوعُ فِي قَضَايَا مَعْدُودَةٍ تَكُونُ أَضْبُطُ لَهُ وَأَجْمَعُ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَكْرَارٌ فَإِنَّ التَّكْرَارَ فِي إِيضَاحِ الْحَقَائِقِ ضَرُورِيٌّ.

وَإِنَّنَا نُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ قَضَايَا جَامِعَةً فِي الْمَسْأَلَةِ، وَمَا وَرَدَ فِيهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَالِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيهَا.

قَضَايَا جَامِعَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ: (١) إِنَّ إِثْبَاتَ رُؤْيَةِ الرَّبِّ - تَعَالَى - فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ الْمُخَالَفَةِ لِهَذِهِ الدَّارِ فِي شُئُونِهَا وَشُئُونِ أَهْلِهَا وَسُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِيهِمَا بِالْقُيُودِ الَّتِي قَيَّدَهَا بِهَا الْمُثْبِتُونَ لَهَا مِنْ تَنْزِيهِهِ - تَعَالَى - عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ - لَيْسَ مِنَ الْمُحَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالضَّرُورَةِ، وَإِلَّا لَمَا وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا بِالْبَرَاهِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>