للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْكِرْمَانِيُّ - بِأَنَّ مَفْهُومَهُ بَيَانُ قُرْبِ النَّظَرِ؛ إِذْ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الرُّؤْيَةِ، فَعَبَّرَ عَنْ زَوَالِ الْمَانِعِ عَنِ الْأَبْصَارِ بِإِزَالَةِ الرِّدَاءِ - وَحَاصِلُهُ أَنَّ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ مَانِعٌ عَنِ الرُّؤْيَةِ، فَكَأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: " إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ " فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِهِ. . . إِلَى آخِرِ مَا قَالَهُ - وَفِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ مَا لَا يَنْبَغِي لِحُفَّاظِ السُّنَّةِ الِاعْتِدَادُ بِهِ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مِثْلَهُ، وَمَا هُوَ أَمْثَلُ مِنْهُ مِنْ تَأْوِيلَاتِهِمْ.

ثُمَّ إِنَّ الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ اعْتَمَدَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ جَعْلَ رِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ هَنَا عَيْنَ الْحِجَابِ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى هَذَا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَفْسِيرَهُ بِهِ - وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنْجِنَا مِنَ النَّارِ؟

قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ - عَزَّ وَجَلَّ - وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ: تَلَا لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (١٠: ٢٦) وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يُرَى بِدُونِ حِجَابٍ، وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي الْمَوْقِفِ وَمُلَاقَاتَهُ كَانَتْ مَعَ الْحِجَابِ، كَهَذِهِ الْمُلَاقَاةِ فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ سُؤَالِهِمْ عَمَّا يَطْلُبُونَ مِنْ زِيَادَةِ النَّعِيمِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا: إِنَّنَا إِذَا قَطَعْنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحِجَابِ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ الْمَانِعُ مِنَ النَّظَرِ، فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّهُ هُوَ حِجَابُ النُّورِ الْمَانِعُ مِنَ الرُّؤْيَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى، وَالنَّظَرُ غَيْرُ الرُّؤْيَةِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ الَّذِي كَانَ مَانِعًا مِنَ النَّظَرِ يُكْشَفُ فَيَقَعُ النَّظَرُ، فَيَرَى النَّاظِرُونَ النُّورَ الَّذِي رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَةِ الذَّاتِ. وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ هَذَا الْبَحْثِ.

(٨) وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي تَجَلِّيهِ - سُبْحَانَهُ - فِي الصُّوَرِ، وَأَقْوَاهَا وَأَصَحَّهَا حَدِيثَا أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - الطَّوِيلَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ فِيهِ أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: " هَلْ يُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ " قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ: يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ - تَعَالَى - فِي صُورَةٍ غَيْرَ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللهُ - تَعَالَى - فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ، وَيَلِيهِ ذِكْرُ الصِّرَاطِ وَالْجَوَازِ عَلَيْهِ وَالنَّارِ وَالْحِسَابِ إِلَخْ. وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي

<<  <  ج: ص:  >  >>