للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ " أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْكَلَامُ لِمُوسَى وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ؟ " وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ " إِنَّ اللهَ اصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخُلَّةِ " إِلَخْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ " هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ " (وَمِنْهَا) مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (٥٣: ١١ - ١٣) قَالَ: رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْهُ قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَيْضًا قَالَ: لَمْ يَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنِهِ إِنَّمَا رَآهُ بِقَلْبِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - سَمِعَ حَدِيثَ قِسْمَةِ الْكَلَامِ وَالرُّؤْيَةِ بَيْنَ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي عَرَفَةَ! ! .

فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنَ الْإِثْبَاتِ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ مَا قِيلَ خَطَأً فِي نَفْيِ عَائِشَةَ: إِنَّهُ اسْتِنْبَاطٌ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِيهِ، وَأَنَّهُ عَلَى مَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالرُّؤْيَةِ الْقَلْبِيَّةِ مُعَارِضٌ مَرْجُوحٌ بِمَا صَحَّ مِنْ تَفْسِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِآيَتَيْ سُورَةِ النَّجْمِ، وَهُوَ أَنَّهُمَا فِي رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجِبْرِيلَ بِصُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللهُ عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ عِكْرِمَةَ عَنْهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا سَمِعَهُ مِنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ الَّذِي قَالَ فِيهِ مُعَاوِيَةُ: " إِنْ كُنَّا لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ " كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَرِوَايَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ لَا يُعْتَدُّ بِهَا فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَهُوَ ثِقَةٌ فِي الْمَغَازِي لَا فِي الْحَدِيثِ، فَالْإِثْبَاتُ الْمُطْلَقُ عَنْهُ مَرْجُوحٌ رِوَايَةً، كَمَا هُوَ مَرْجُوحٌ دِرَايَةً.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمْ يَقُلْ إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ يَقَظَةً، وَمَنْ حَكَى عَنْهُ ذَلِكَ فَقَدْ وَهِمَ، وَهَذِهِ نُصُوصُهُ مَوْجُودَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَبِّهِ إِنَّمَا يَعْنِي رُؤْيَةَ الْمَنَامِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ رَآهُ، فَإِنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ. وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ، وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَلَفْظُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَلَفْظِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - لَا يَرَاهُ أَحَدٌ بِعَيْنَيْهِ فِي الدُّنْيَا لَا نَبِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَمْ يَقَعِ النِّزَاعُ إِلَّا فِي نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ رَآهُ، وَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ مَوْضُوعٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>