للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ " وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - " لَيْسَ عِنْدَ رَبِّكُمْ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، نُورُ السَّمَاوَاتِ مِنْ وَجْهِهِ " وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْأَثَرِ: نُورُ السَّمَاوَاتِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ، ذَكَرَهُ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا (٣٩: ٦٩) فَإِذَا جَاءَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَشْرَقَتْ بِنُورِهِ الْأَرْضُ، وَلَيْسَ إِشْرَاقُهَا لِشَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ فَإِنَّ الشَّمْسَ تُكَوَّرُ، وَالْقَمَرَ يُخْسَفُ وَيَذْهَبُ نُورُهُمَا، وَحِجَابُهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - النُّورُ. قَالَ أَبُو مُوسَى " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، وَيَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " ثُمَّ قَرَأَ: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا (٢٧: ٨) فَاسْتِنَارَةُ ذَلِكَ الْحِجَابِ بِنُورِ وَجْهِهِ، وَلَوْلَاهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ وَنُورِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ، وَلِهَذَا لَمَّا تَجَلَّى - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لِلْجَبَلِ، وَكَشَفَ مِنَ الْحِجَابِ شَيْئًا يَسِيرًا سَاخَ الْجَبَلُ فِي الْأَرْضِ وَتَدَكْدَكَ، وَلَمْ يَقُمْ لِرَبِّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ قَالَ: ذَلِكَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لَمْ يَقُمْ لَهُ شَيْءٌ، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ فَهْمِهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَدَقِيقِ فِطْنَتِهِ، كَيْفَ وَقَدْ دَعَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْلِّمَهُ اللهُ التَّأْوِيلَ، فَالرَّبُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - يَرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْأَبْصَارِ عِيَانًا، وَلَكِنْ يَسْتَحِيلُ إِدْرَاكُ الْأَبْصَارِ لَهُ، وَإِنْ رَأَتْهُ فَالْإِدْرَاكُ أَمْرٌ وَرَاءَ الرُّؤْيَةِ، وَهَذِهِ الشَّمْسُ - وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى - نَرَاهَا وَنُدْرِكُهَا كَمَا هِيَ عَلَيْهِ وَلَا قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فَقَالَ أَلَسْتَ تَرَى السَّمَاءَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَفَتُدْرِكُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَاللهُ - تَعَالَى - أَعْظَمُ وَأَجَلُّ " اهـ.

قَدْ أَشَارَ هَذَا الْعَالِمُ الْمُحَقِّقُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْوَجِيزَةِ مِنْ كَلَامِهِ الطَّوِيلِ فِي مَوْضُوعِهَا إِلَى جُمْلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>