للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدْ نَظَرُوا فِيهِ بِنُورِ اللهِ وَاهْتَدَوْا فِي مَبَاحِثِهِمْ بِهِدَايَةِ وَحْيِهِ لَوَصَلُوا إِلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ الْكَمَالِ عَلَى أَنَّ ارْتِقَاءَهُمْ فِي الْأَسْبَابِ وَنَجَاحَهُمُ الْمُتَّصِلَ فِي كَشْفِ أَسْرَارِ الْعَالَمِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَا بِهِمْ إِلَى الْمَعْرِفَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي بَيَّنَهَا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ فِي آخِرِ كُتُبِهِ لِلْبَشَرِ عَلَى لِسَانِ خَاتَمِ رُسُلِهِ لَهُمْ، كَمَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوْلَمَ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٤١: ٥٣، ٥٤) .

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ سَيَجِدُونَ فِي حَقَائِقِ الْعُلُومِ الَّتِي يَهْتَدُونَ إِلَيْهَا بِاتِّصَالِ أَبْحَاثِهِمْ

وَتَتَابُعِهَا مِصْدَاقًا لِهَذَا الْكِتَابِ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ وَلِقَاءِ اللهِ - تَعَالَى -، وَكُلِّ مَنْ كَفَرَ بِهِ الْمُقَيَّدُونَ بِنَظَرِيَّاتِ عُقُولِهِمُ الْقَاصِرَةِ وَعُلُومِهِمُ النَّاقِصَةِ، كَالْأَرْوَاحِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَتَمَثُّلِهِمْ فِي الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَتَجِلِّي الرَّبِّ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ بِقَدْرِ اسْتِعْدَادِ أَنْفُسِهِمْ، وَارْتِقَاءِ أَرْوَاحِهِمْ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ الَّتِي كَانَتْ تَحْجُبُهُمْ عَنْهُ، وَأَنَّ فِيمَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ الْيَوْمَ مَا يَقْرِّبُ ذَلِكَ مِنَ الْمَدَارِكِ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ الْأَمْثِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَشْغَلُ هَؤُلَاءِ الْبَاحِثِينَ فِي هَذَا الْعِلْمِ مَسْأَلَةُ بَدْءِ الْخَلْقِ كَيْفَ كَانَ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ؟ وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ أَنْ جَزَمُوا بِأَنَّ هَذِهِ الْأَجْرَامَ السَّابِحَةَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ كَانَتْ مَادَّةً وَاحِدَةً سَدِيمِيَّةً تُشْبِهُ الدُّخَانَ فَانْفَتَقَتْ، وَانْفَصَلَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فَكَانَتْ أَجْرَامًا مُتَعَدِّدَةً - وَقَدْ جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِهِ بِقُرُونٍ وَأَجْيَالٍ كَثِيرَةٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ اهْتَدَوْا فِي هَذَا الْجَبَلِ إِلَى أَنَّ أَصْلَ تِلْكَ الْمَادَّةِ الَّتِي انْفَتَقَ رَتْقُهَا بِمَا ذَكَرَ الْمُؤَلَّفَةُ مِنْ عَشَرَاتِ الْعَنَاصِرِ - قَدْ كَانَ مَصْدَرُهَا هَذِهِ الْكَهْرُبَاءَ الَّتِي دَخَلَتْ بِهَا عُلُومُ الْبَشَرِ وَأَعْمَالُهُمْ فِي طَوْرٍ غَرِيبٍ عَجِيبٍ، وَلَا تَزَالُ عَجَائِبُهَا كُلُّ يَوْمٍ فِي ازْدِيَادٍ.

وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي الْحَاشِيَةِ الَّتِي عَلَّقْنَاهَا عَلَى عِبَارَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي النُّورِ هِيَ مَا ذَكَرَهُ أَخِيرًا مِنْ أَنَّ لِلْكَهْرُبَائِيَّةِ دَقَائِقَ - أَوْ ذَوَاتٍ أَوْ ذُرَيْرَاتٍ أَوْ جَوَاهِرَ فَرْدَةً - مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا سُمَّوْهَا (الْإِلِكْتِرُونَاتِ) وَرَجَّحُوا أَنَّهَا هِيَ قَوَامُ كُلِّ جَوَاهِرِ الْمَادَّةِ الَّتِي يَتَأَلَّفُ مِنْهَا بِنَاءُ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَأَنَّ اهْتِزَازَ هَذِهِ الذَّرَّاتِ أَوِ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ هُوَ سَبَبُ طَيْفِ النُّورِ، وَأَنَّ لَهُ اهْتِزَازَاتٍ مُخْتَلِفَةً، وَأَنَّهَا هِيَ مَنْشَأُ تَغَيُّرِ الْعَنَاصِرِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْكِيمْائِيَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءَ قَرَّرُوا الْقَوْلَ مِنْ قَبْلُ بِأَنَّ حَرَكَةَ الْمَادَّةِ هِيَ سَبَبُ جَمِيعِ التَّغَيُّرَاتِ وَالتَّطَوُّرَاتِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، إِذْ هِيَ مَنْشَأُ النُّورِ وَالْحَرَارَةِ الَّتِي قُلْنَا إِنَّهَا تُحَوِّلُ الْجَوَامِدَ إِلَى مَائِعَاتٍ وَالْمَائِعَاتِ إِلَى غَازَاتٍ، فَالظَّاهِرُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَهْرُبَاءَ هِيَ الْأَصْلُ لِكُلِّ الْكَائِنَاتِ الَّتِي تُقَدَّرُ مِسَاحَتُهَا بِحَسَبِ بَعْضِ النَّظَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِلْيُونَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي النُّورِ، وَهُوَ يَقْطَعُ فِي الثَّانِيَةِ ١٨٦٣٣٠ مِيلًا فِي أَقْرَبِ تَقْدِيرٍ وَأَحْدَثِهِ، وَفِي الدَّقِيقَةِ ٧١٧٩٨٠٠ وَفِي السَّاعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>