للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ سَبَقَ لَنَا بَحْثٌ مِثْلُ بَحْثِنَا هَذَا عَلَى قَاعِدَتِنَا هَذِهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ (٢: ٢١٠) مِنْ جُزْءِ التَّفْسِيرِ الثَّانِي، بَعْضُهُ لَنَا وَبَعْضُهُ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فَيُرَاجَعْ فِي - ص ٢٠٩ - ٢١٣ ج٢ ط الْهَيْئَةِ -

(تَنْبِيهٌ) إِنَّ إِدْخَالَ مَبَاحِثِ عُلُومِ الْكَوْنِ فِي التَّفْسِيرِ هُوَ مِنْ أَهَمَّ أَرْكَانِهِ، وَالْعَمَلُ بِهُدَى الْقُرْآنِ فِيهِ، فَهُوَ مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ آيَاتِ اللهِ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَكَانَ سَلَفُنَا مِنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ وَالْخَلَفِ يَذْكُرُونَ مَا يَعْلَمُونَ مِنْ أَسْرَارِ الْخَلْقِ وَكَذَا مَا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى الَّذِينَ لَا يُوثَقُ بِعِلْمِهِمْ وَلَا رِوَايَتِهِمْ، وَهُوَ مَا يَنْتَقِدُ عَلَيْهِمْ.

" الْكَلِمَةُ الْجَامِعَةُ الْخَاتِمَةُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ ":

خُلَاصَةُ الْخُلَاصَةِ أَنَّ رُؤْيَةَ الْعِبَادِ لِرَبِّهِمْ فِي الْآخِرَةِ حَقٌّ، وَأَنَّهُمْ أَعْلَى وَأَكْمَلُ النَّعِيمِ الرُّوحَانِيِّ الَّذِي يَرْتَقِي إِلَيْهِ الْبَشَرُ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ وَالرِّضْوَانِ، وَأَنَّهَا أَحَقُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (٣٢: ١٧) وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ " وَأَنَّ هَذَا وَذَاكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ الَّذِي عَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُهُمْ وَهِيَ " أَنَّهَا رُؤْيَةٌ بِلَا كَيْفٍ " وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ اضْطِرَابُ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْعُلَمَاءِ فِي النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي نَفْيِهَا وَإِثْبَاتِهَا، سَوَاءً مِنْهُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَسَاطِينُ الْبَيَانِ، وَنُظَّارُ الْفَلْسَفَةِ وَعِلْمِ الْكَلَامِ، وَرُوَاةُ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ،

وَمُرْتَاضُو الصُّوفِيَّةِ وَأُولُو الْكَشْفِ وَالْإِلْهَامِ، فَلَمْ تَتَّفِقْ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى قَوْلٍ فَصْلٍ قَطْعِيٍّ تُقْنِعُ بِهِ بَقِيَّةَ الطَّوَائِفِ بِدَلِيلِهَا اللُّغَوِيِّ أَوِ الْأُصُولِيِّ أَوِ الْعَقْلِيِّ أَوْ فَهْمُ النَّصِّ النَّقْلِيِّ أَوْ تَسْلِيمِ إِلْهَامِهَا الْكَشْفِيِّ، وَلَكِنْ مَنْ نَظَرَ فِي جَمِيعِ مَا قَالُوهُ نَظْرَ اسْتِقْلَالٍ وَإِنْصَافٍ يَجْزِمُ بِأَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ عَامَّةُ السَّلَفِ مِنْ إِثْبَاتِ كُلِّ مَنْ يَصِحُّ بِهِ النَّقْلُ، وَتَفْوِيضِ تَأْوِيلِهِ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ وَيُؤَيِّدُهُ الْعِلْمُ وَالْعَقْلُ، فَهُوَ الْأَسْلَمُ وَالْأَحْكَمُ وَالْأَعْلَمُ، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.

(خُلَاصَةُ الْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ الْإِلَهِيِّ) .

اضْطَرَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي الْكَلَامِ الْإِلَهِيِّ كَمَا اضْطَرَبُوا فِي مَسْأَلَةِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى، وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ صِفَاتِهِ وَشُئُونِهِ فَذَهَبَ الَّذِينَ بَنَوْا قَوَاعِدَ عَقَائِدِهِمْ عَلَى اقْتِضَاءِ التَّنْزِيهِ لِلتَّأْوِيلِ إِلَى أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ (الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ) وَلِهَذَا قَالُوا إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، وَالْحَقُّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ أَنَّ كَلَامَ اللهِ - تَعَالَى - صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَهُوَ مِثْلُهُ لَا يَقْتَضِي التَّشْبِيهَ، إِذْ مِنَ الْعُلُومِ بِدَلِيلِ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ أَنَّ الْخَالِقَ لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>