يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ رُوحَانِيُّونَ لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَلَيْسُوا جَسَدًا فَإِنَّ ذَوِي الْأَجْسَادِ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ. انْتَهَى، وَقَوْلُهُمْ: مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ؛ أَيِ: الْإِثْبَاتُ.
وَالْخُوَارُ: صَوْتُ الْبَقَرِ، وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ كَأَمْثَالِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَصْوَاتِ: رُغَاءُ الْإِبِلِ، وَثُغَاءُ الْغَنَمِ، وَيُعَارُ الْمَعْزِ، وَمُوَاءُ الْهِرِّ، وَنُبَاحُ الْكَلْبِ. . إِلَخْ.
وَعُلِمَ مِنَ الْقِصَّةِ مِنْ سُورَةِ طَه أَنَّ السَّامِرِيَّ هُوَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُمْ مَا حَمَلُوهُ مِنْ أَوْزَارِ زِينَةِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ فَأَلْقَاهَا فِي النَّارِ فَصَاغَ لَهُمْ مِنْهُ عِجْلًا؛ أَيْ: تِمْثَالًا لَهُ صُورَةُ الْعِجْلِ وَبَدَنُهُ وَصَوْتُهُ، وَإِنَّمَا نُسِبَ ذَلِكَ هُنَا إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ رَأْيُ جُمْهُورِهِمُ الَّذِينَ طَلَبُوا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ آلِهَةٌ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذَلِكَ الْعِجْلِ هَلْ صَارَ لَحْمًا وَدَمًا لَهُ خُوَارٌ أَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى كَوْنِهِ مَنْ ذَهَبٍ إِلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْهَوَاءُ فَيُصَوِّتُ كَالْبَقَرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ.
رُوِيَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ خَارَ خَوْرَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يُثَنِّ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ حَلَّتْ فِيهِ الْحَيَاةُ؛ عَلِّلُوهُ بِأَنَّ السَّامِرِيَّ رَأَى جِبْرِيلَ حِينَ جَاوَزَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ، وَفِي وَرَايَةٍ عِنْدَ نُزُولِهِ عَلَى مُوسَى (- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -) رَاكِبًا فَرَسًا مَا وَطِئَ بِهَا أَرْضًا إِلَّا حَلَّتْ فِيهَا الْحَيَاةُ وَاخْضَرَّ النَّبَاتُ، فَأَخَذَ مِنْ أَثَرِهَا قَبْضَةً فَنَبَذَهَا فِي جَوْفِ
تِمْثَالِ الْعِجْلِ فَصَارَ حَيًّا لَهُ خُوَارٌ، وَفَسَّرُوا بِهَذَا مَا حَكَاهُ اللهُ - تَعَالَى - عَنْهُ فِي سُورَةِ طَه وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِهَا، وَلَكِنْ قَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: إِنَّ خُوَارَهُ كَانَ بِتَأْثِيرِ دُخُولِ الرِّيحِ فِي جَوْفِهِ وَخُرُوجِهَا مِنْ فِيهِ، كَقَوْلِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَيًّا، وَالرِّوَايَاتُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ وَقَفَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فَلَمْ يُرَجِّحْ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْقِصَّةِ مِنْ سُورَةِ طَه رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْ خُرَافَاتِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، فِيهَا ضَرْبٌ مِنَ الْكَذِبِ وَالضَّلَالَاتِ، وَسَنَعُودُ إِلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ طَه إِنْ شَاءَ اللهُ وَقُدِّرَ لَنَا الْحَيَاةُ.
قَالَ - تَعَالَى - فِي بَيَانِ ضَلَالَتِهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ عَلَى جَهَالَتِهِمْ: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا؟ أَيْ: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ فَاقِدٌ لِمَا يُعْرَفُ بِهِ الْإِلَهُ الْحَقُّ، وَخَاصَّةً مَا لَهُ مَنْ حَقِّ الْعِبَادَةِ عَلَى الْخَلْقِ بِمَا يُكَلِّمُ بِهِ مَنْ يَخْتَارُهُ مِنْهُمْ لِرِسَالَتِهِ، وَيُعَلِّمُهُ مَا يَجِبُ أَنْ يَعْرِفُوهُ مِنْ صِفَاتِهِ وَسَبِيلِ عِبَادَتِهِ كَمَا يُكَلِّمُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رَسُولَهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَهْدِيهِ سَبِيلَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي تَتَزَكَّى بِهَا أَنْفُسُهُمْ، وَتَقُومُ بِهَا مَصَالِحُهُمْ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مِنْ شَأْنِ الرَّبِّ الْإِلَهِ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّمًا، وَأَنْ يُكَلِّمَ عِبَادَهُ، وَيَهْدِيَهُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ بِاخْتِصَاصِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَإِعْدَادِهِ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ، وَتَلَقِّي وَحْيِهِ، وَتَبْلِيغِ أَحْكَامِهِ، وَفِي سُورَةِ طَه: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (٢٠: ٨٩)
فَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ: هِدَايَةُ الْوَحْيِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ الْإِلَهِ هِدَايَةُ الْإِرْشَادِ الَّتِي مَرْجَعُهَا صِفَةُ الْكَلَامِ، وَلَا الضَّرُّ وَالنَّفْعُ اللَّذَيْنِ هُمَا مُتَعَلِّقُ صِفَتَيِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute