اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ أَيِ: اتَّخَذُوهُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَلَا يَهْدِيهِمْ لِمَا فِيهِ رَشَادُهُمْ، وَلَا يَمْلِكُ دَفْعَ الضُّرِّ عَنْهُمْ، وَلَا إِسْدَاءَ النَّفْعِ إِلَيْهِمْ؛ أَيْ: إِنَّهُمْ لَمْ يَتَّخِذُوهُ عَنْ دَلِيلٍ وَلَا شِبْهِ دَلِيلٍ، بَلْ عَنْ تَقْلِيدٍ لِمَا رَأَوْا عَلَيْهِ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ " أَبِيسَ " مِنْ قَبْلُ، وَلِمَا رَأَوْهُ مِنَ الْعَاكِفِينَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ مِنْ بَعْدُ، وَكَانُوا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِهَذَا الِاتِّخَاذِ الْجَهْلِيِّ الَّذِي يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ بِشَيْءٍ.
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ يُقَالُ: سُقِطَ فِي يَدِهِ، وَأُسْقِطَ فِي يَدِهِ - بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - وَكَذَا بِفَتْحِ أَوَّلِ الثُّلَاثِيِّ عَلَى قِلَّةٍ فِي اللُّغَةِ،
وَشُذُوذٍ فِي الْقِرَاءَةِ - أَيْ: نَدِمَ، وَيَقُولُونَ: فُلَانٌ مَسْقُوطٌ فِي يَدِهِ، وَسَاقِطٌ فِي يَدِهِ أَيْ: نَادِمٌ - كَمَا فِي الْأَسَاسِ - وَلَكِنَّهُ فَسَّرَهُ فِي الْكَشَّافِ بِشِدَّةِ النَّدَمِ وَالْحَسْرَةِ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ، وَفِي اللِّسَانِ: وَسُقِطَ فِي يَدِ الرَّجُلِ: زَلَّ وَأَخْطَأَ، وَقِيلَ: نَدِمَ، قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ النَّادِمِ عَلَى مَا فَعَلَ الْحَسِرِ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ: قَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ وَأُسْقِطَ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ قَالَ الْفَارِسِيُّ: ضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمْ عَلَى أَكُفِّهِمْ مِنَ النَّدَمِ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَهُوَ إِذًا مِنَ السُّقُوطِ، وَقَدْ قُرِئَ " سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ " كَأَنَّهُ أَضْمَرَ النَّدَمَ؛ أَيْ: سَقَطَ النَّدَمُ فِي أَيْدِيهِمْ، كَمَا تَقُولُ لِمَنْ يَحْصُلُ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي الْيَدِ: قَدْ حَصَلَ فِي يَدِهِ مِنْ هَذَا مَكْرُوهٌ، فَشَبَّهَ مَا يَصِلُ فِي الْقَلْبِ وَفِي النَّفْسِ بِمَا يَحْصُلُ فِي الْيَدِ، وَيُرَى بِالْعَيْنِ اهـ. زَادَ الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَخُصَّتِ الْيَدُ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْأُمُورِ بِهَا كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ (٢٢: ١٠) أَوْ لِأَنَّ النَّدَمَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي الْقَلْبِ فِي الْيَدِ بَعَضِّهَا، وَالضَّرْبِ بِهَا عَلَى أُخْتِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي النَّادِمِ: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ (١٨: ٤٢) ، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ (٢٥: ٢٧) وَفِي تَاجِ الْعَرُوسِ، وَفِي الْعُبَابِ: هَذَا نَظْمٌ لَمْ يُسْمَعْ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَلَا عَرَفَتْهُ الْعَرَبُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ نُزُولُ الشَّيْءِ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ، وَوُقُوعُهُ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَقِيلَ لِلْخَطَأِ مِنَ الْكَلَامِ سَقْطٌ؛ لِأَنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِمَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيَسْقُطُ، وَذَكَرَ الْيَدَ؛ لِأَنَّ النَّدَمَ يَحْدُثُ فِي الْقَلْبِ، وَأَثَرُهُ يَظْهَرُ فِي الْيَدِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَلِأَنَّ الْيَدَ هِيَ الْجَارِحَةُ الْعُظْمَى، فَرُبَّمَا يُسْنَدُ إِلَيْهَا مَا لَمْ تُبَاشِرْهُ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ اهـ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَمَّا اشْتَدَّ نَدَمُهُمْ وَحَسْرَتُهُمْ عَلَى مَا فَعَلُوهُ رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا أَيْ: وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، أَوْ تَبَيَّنَ لَهُمْ ضَلَالُهُمْ بِهِ، وَتَحَقَّقَ بِمَا قَالَهُ وَفَعَلَهُ مُوسَى حَتَّى كَأَنَّهُمْ رَأَوْهُ رَأْيَ الْعَيْنِ قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا أَيْ: أَقْسَمُوا إِنَّهُ لَا يَسَعُهُمْ بَعْدَ هَذَا الذَّنْبِ إِلَّا رَحْمَةُ رَبِّهِمُ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، قَائِلِينَ: لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا بِقَبُولِ تَوْبَتِنَا وَالتَّجَاوُزِ عَنْ جَرِيمَتِنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا؛ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِقْلَالُ فِي أَرْضِ الْمَوْعِدِ، وَلِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ؛ وَهِيَ دَارُ الْكَرَامَةِ وَالرِّضْوَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute