بَرَّأَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ هَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ جَرِيمَةِ اتِّخَاذِ الْعِجْلِ، وَمِنَ التَّقْصِيرِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مُتَّخِذِيهِ وَعَابِدِيهِ مِنْ قَوْمِهِ، وَهَذَا مِنْ أَهَمِّ الْمَوَاضِعِ الَّتِي هَيْمَنَ بِهَا عَلَى كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي فِي أَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَصَحَّحَ أَغْلَاطَ مُحَرِّفِيهَا، وَهُوَ يَحْثُو التُّرَابَ فِي أَفْوَاهِ الطَّاعِنِينَ فِيهِ، وَفِيمَنْ جَاءَ بِهِ (بَرَّأَهُمَا اللهُ - تَعَالَى -) بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ أَخَذَ عَنِ التَّوْرَاةِ مَا فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ مُوسَى وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُ
صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ كَانَ أُمِّيًّا لَمْ يَقْرَأْ، وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يَعْرِفُ مِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى أَعْدَى الْمُعَانِدِينَ لَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٢٩: ٤٨) ، وَقَوْلُهُ: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا (١١: ٤٩) وَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ لَكَذَّبَهُ فِي هَذَا أُولَئِكَ الْجَاحِدُونَ وَالْمُعَانِدُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا، وَالْغَرَضُ هُنَا إِقَامَةُ حُجَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقَلَ عَنِ التَّوْرَاةِ لَوَافَقَهَا فِي كُلِّ مَا نَقَلَهُ، وَهُوَ قَدْ خَالَفَهَا فِي مَوَاضِعَ بِمَا جَعَلَهُ مُنَزِّلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ مُهَيْمِنًا وَرَقِيبًا عَلَيْهَا، وَمُصَحِّحًا لِأَهَمِّ مَا وَقَعَ مِنَ التَّحْرِيفِ فِيهَا، وَمِنْهُ تَبْرِئَةُ هَارُونَ وَغَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْجَرَائِمِ الَّتِي عُزِيَتْ إِلَيْهِمْ فِيهَا، فَجَعَلَتْهُمْ قُدْوَةً سَيِّئَةً كَجَعْلِ هَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الصَّانِعُ لِلْعِجْلِ كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ قَالَ: (١) وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا؛ لِأَنَّ هَذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لَا نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ (٢) فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ انْزِعُوا أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَأْتُونِي بِهَا (٣) فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي كَانَتْ فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ (٤) فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِالْأَزْمِيلِ، وَصَنَعَهُ عِجْلًا مَسْبُوكًا فَقَالُوا: هَذِهِ آلِهَتُكِ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ (٥) فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: غَدًا عِيدٌ لِلْرَّبِّ (٦) فَبَكَّرُوا فِي الْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحَرَّقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلَامَةٍ وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ (٧) فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: اذْهَبِ انْزِلْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ الَّذِي أَصْعَدْتُهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ (٨) زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتَهُمْ بِهِ صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلًا مَسْبُوكًا وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هَذِهِ آلِهَتُكِ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ".
وَبَعْدَ هَذَا ذَكَرَ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لِمُوسَى: إِنَّ هَذَا الشَّعْبَ صَلْبُ الرَّقَبَةِ، وَأَنَّ غَضَبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute