الْهَلَاكَ عَنْهُمْ وَيَرْحَمَهُمْ، وَلَا أَذْكُرُ أَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرَ عَدَدِ السَّبْعِينَ، وَلَكِنْ فِي بَعْضِهَا ذِكْرُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَفِي بَعْضِهَا ذِكْرُ عَدَدِ ٢٥٠ رَجُلًا، وَذَلِكَ فِي الْفَصْلِ ١٦ مِنْ سِفْرِ الْعَدَدِ وَهَاكَ بَعْضَهُ: (٢٠) وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا (٢١) افْتَرِزَا مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ فِي لَحْظَةٍ (٢٢) فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا وَقَالَا اللهُمَّ إِلَهَ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ هَلْ يُخْطِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَتَسْخَطَ عَلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ؟ (٢٣) فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا (٢٤) اطْلَعُوا مِنْ حَوَالِي مَسْكَنِ قَوْرَحَ وَدَاثَانَ وَابِيرَامَ (٢٥) فَقَامَ مُوسَى وَذَهَبَ إِلَى دثانَ وَابِيرَامَ وَذَهَبَ وَرَاءَهُ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ (٢٦) فَكَلَّمَ الْجَمَاعَةَ قَائِلًا اعْتَزِلُوا عَنْ خِيَامِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْبُغَاةِ وَلَا تَمُسُّوا شَيْئًا مِمَّا لَهُمْ لِئَلَّا تُهْلَكُوا بِجَمِيعِ خَطَايَاهُمْ (٢٧) فَطَلَعُوا مِنْ حَوَالِي مَسْكَنِ قَوْرَحَ وَدَاثانَ وَابِيرَامَ وَخَرَجَ دَاثانُ وَابِيرَامُ وَوَقَفَا فِي بَابِ خَيْمَتَيْهِمَا مَعَ نِسَائِهِمَا وَبَنِيهِمَا وَأَطْفَالِهِمَا (٢٨) فَقَالَ مُوسَى بِهَذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي لِأَعْمَلَ كُلَّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِي (٢٩) إِنْ مَاتَ هَؤُلَاءِ كَمَوْتِ كُلِّ إِنْسَانٍ وَأَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ فَلَيْسَ الرَّبُّ قَدْ أَرْسَلَنِي (٣٠) وَلَكِنْ إِنِ ابْتَدَعَ الرَّبُّ بِدْعَةً وَفَتَحَتِ
الْأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَكُلَّ مَالِهِمْ فَهَبَطُوا أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدِ ازْدَرَوْا بِالرَّبِّ (٣١) فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّكَلُّمِ بِكُلِّ هَذَا الْكَلَامِ انْشَقَّتِ الْأَرْضُ الَّتِي تَحْتَهُمْ (٣٢) وَفَتَحَتِ الْأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَكُلَّ مَنْ كَانَ لِقَوْرَحَ مَعَ كُلِّ الْأَمْوَالِ (٣٣) فَنَزَلُوا هُمْ وَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُمْ أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ وَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ فَبَادُوا مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ (٣٤) وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ هَرَبُوا مِنْ صَوْتِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَعَلَّ الْأَرْضَ تَبْتَلِعُنَا (٣٥) وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكْمَلَتِ الْمِئَتَيْنِ وَالْخَمْسِينَ رَجُلًا الَّذِينَ قَرَّبُوا الْبَخُورَ " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ، وَمَبْدَأُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ ١٦ وَفِي آخِرِهِ أَنَّهُ أَخَذَهُمُ الْوَبَاءُ إِذْ لَمْ يَتُوبُوا.
وَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَذِكْرِ مَسْأَلَةِ طَلَبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِرُؤْيَةِ اللهِ جَهْرَةً، وَأَخْذِ الصَّاعِقَةِ إِيَّاهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ غَيْرُ الْأُولَى، وَنَقَلْنَا هُنَالِكَ عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ اخْتِيَارَ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِهِمْ، فَإِنْ كَانَ يَعْنِي مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ سِفْرِ الْعَدَدِ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَدَدُ السَّبْعِينَ، فَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مُخْتَصَرٌ بِقَدْرِ الْعِبْرَةِ كَسُنَّتِهِ، وَأَنَّ السَّبْعِينَ هُمُ الَّذِينَ أُهْلِكُوا أَوَّلًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْكَاتِبُ عَدَدَهُمْ ثُمَّ هَلَكَ غَيْرُهُمْ فَكَانَ الْجَمِيعُ.
فَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَوْلُ مُوسَى: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْرَحَ وَجَمَاعَتِهِ مِنَ اللَّاوِيِّينَ الْمَغْرُورِينَ الْمُتَمَرِّدِينَ، وَهَلِ الَّذِينَ طَلَبُوا مِنْ مُوسَى رُؤْيَةَ اللهِ جَهْرَةً لِغُرُورِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَمْ غَيْرُهُمْ؟ وَإِنْ كَانَتْ فِي عَابِدِي الْعِجْلِ فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عُقَلَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَصْحَابِ الرُّؤْيَةِ مِنْهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُ، وَإِنَّمَا عَبَدَهُ السُّفَهَاءُ؛ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute