للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبَعْدَ زَمَنِهِ، وَيُرَادُ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ مَعْنَى صِلَةِ الْمَوْصُولَيْنِ فِي زَمَنِ مُوسَى، وَمَا بَعْدَهُ إِلَى زَمَنِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَمَعْنَى الْفَصْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ اتِّحَادُ الْمَوْصُولَاتِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَفْهُومِ وَالْمَاصَدَقِ جَمِيعًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ كِتَابَةَ الرَّحْمَةِ كَتْبَةً خَاصَّةً هِيَ لِلْمُتَّصِفِينَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ صِلَاتُ الْمَوْصُولَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا هُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ نِسْبَةً إِلَى الْأُمِّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُسَمُّونَ الْعَرَبَ بِالْأُمِّيِّينَ، وَلَعَلَّهُ كَانَ لَقَبًا لِأَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ دُونَ أَهْلِ الْيَمَنِ. لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي الْخَوَنَةِ مِنَ الْيَهُودِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ

سَبِيلٌ (٣: ٧٥) الْعُمُومُ وَلَيْسَ بِنَصٍّ فِيهِ، وَقَالَ - تَعَالَى -: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ (٦٢: ٢) وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - بَعَثَ نَبِيًّا أُمِّيًّا غَيْرَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ وَصْفٌ خَاصٌّ لَا يُشَارِكُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَالْأُمِّيَّةُ آيَةٌ مِنْ أَكْبَرِ آيَاتِ نُبُوَّتِهِ، فَإِنَّهُ جَاءَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِأَعْلَى الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَهِيَ مَا يَصْلُحُ مَا فَسَدَ مِنْ عَقَائِدِ الْبَشَرِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَآدَابِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ، وَعَمِلَ بِهَا فَكَانَ لَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي الْعَالَمِ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَتَعْرِيفُ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ الْمَوْصُوفِ بِالْأُمِّيَّةِ كِلَاهُمَا لِلْعَهْدِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَنُبَيِّنُهُ مِنْ بِشَارَاتِ الْأَنْبِيَاءِ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّسُولُ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ أَخَصُّ مِنَ النَّبِيِّ فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَمَا كَلُّ نَبِيٍّ رَسُولٌ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ نُكْتَةَ تَقْدِيمِ الرَّسُولِ عَلَى النَّبِيِّ هُنَا كَوْنُهُ أَهَمُّ وَأَشْرَفُ أَوْ أَنَّهُمَا ذُكِرَا هُنَا بِمَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيِّ كَقَوْلِهِ: وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ نُكْتَةِ التَّقْدِيمِ أَظْهَرُ، وَهُوَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ وَصْفٌ مُمَيَّزٌ لِلرَّسُولِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اتِّبَاعُهُ مَتَى بُعِثَ، وَأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ (٣: ٨١) إِلَى آخِرِ آيَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ.

وَالنَّبِيُّ فِي اللُّغَةِ (فَعِيلٌ) مِنْ مَادَّةِ النَّبَأِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ الْمُهِمِّ الْعَظِيمِ الشَّأْنِ، أَوْ بِمَعْنَى الِارْتِفَاعِ وَعُلُوِّ الشَّأْنِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ لَا تَهْمِزُهُ بَلْ نُقِلَ أَنَّهُ لَمْ يَهْمِزْهُ إِلَّا أَهْلُ مَكَّةَ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْكَرَ عَلَى رَجُلٍ قَالَ لَهُ: يَا نَبِيءَ اللهِ، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ؛ فَالنَّبِيُّ مَنْ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ، وَأَنْبَأَهُ بِمَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِكَسْبِهِ مِنْ خَبَرٍ أَوْ حُكْمٍ يَعْلَمُ بِهِ عَلِمَا ضَرُورِيًّا أَنَّهُ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَالرَّسُولُ نَبِيٌّ أَمَرَهُ اللهُ - تَعَالَى - بِتَبْلِيغِ شَرْعٍ وَدَعْوَةِ دِينٍ وَبِإِقَامَتِهِ بِالْعَمَلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَحْيِ إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كِتَابًا يُقْرَأُ وَيُنْشَرُ، وَلَا شَرْعًا جَدِيدًا يُعْمَلُ بِهِ وَيُحْكَمُ بَيْنَ النَّاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>