للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تَعْرِفُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَلِينُ لَهُ أَشْعَارُكُمْ وَتَرَوْنُ أَنَّهُ مِنْكُمْ قَرِيبٌ فَأَنَا أَوْلَاكُمْ بِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَنْفِرُ مِنْهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبَشَارُكُمْ وَتَرَوْنُ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ، فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ.

خَامِسُهَا وَسَادِسُهَا - قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَيَحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ الطَّيِّبُ مَا تَسْتَطِيبُهُ الْأَذْوَاقُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، وَتَسْتَفِيدُ مِنْهُ التَّغْذِيَةُ النَّافِعَةُ، وَمِنَ الْأَمْوَالِ مَا أُخِذَ بِحَقٍّ وَتَرَاضٍ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَالْخَبِيثُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ مَا تَمُجُّهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ وَتَسْتَقْذِرُهُ ذَوْقًا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ، أَوْ تَصُدُّ عَنْهُ الْعُقُولُ الرَّاجِحَةُ لِضَرَرِهِ فِي الْبَدَنِ كَالْخِنْزِيرِ الَّذِي تَتَوَلَّدُ مِنْ أَكْلِهِ الدُّودَةُ الْوَحِيدَةُ، أَوْ لِضَرَرِهِ فِي الدِّينِ كَالَّذِي يَذْبَحُ لِلتَّقَرُّبِ بِهِ إِلَى غَيْرِ اللهِ - تَعَالَى - عَلَى سَبِيلِ الْعِبَادَةِ - أَيْ: لَا مَا يَذْبَحُ لِتَكْرِيمِ الضِّيفَانِ؛ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ سُلْطَانٍ - وَالَّذِي يَحْرُمُ ذَبْحُهُ أَوْ أَكْلُهُ لِتَشْرِيعٍ بَاطِلٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ - كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي، وَالْخَبِيثُ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ الْحَقِّ كَالرِّبَا وَالرِّشْوَةِ وَالْغُلُوِّ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغَصْبِ وَالسُّحْتِ. وَقَدْ كَانَ اللهُ - تَعَالَى - حَرَّمَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ عُقُوبَةً لَهُمْ كَمَا قَالَ: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلْتَ لَهُمْ (٤: ١٦٠) الْآيَةَ. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. وَحَرَّمُوا هُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَيِّبَاتٍ أُخْرَى لَمْ يُحْرِّمْهَا اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ، وَأَحَلُّوا لِأَنْفُسِهِمْ أَكْلَ أَمْوَالٍ غَيْرَ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ بِالْبَاطِلِ، كَمَا حَكَى اللهُ - تَعَالَى - عَنْهُمْ بَعْدَ ذِكْرِ اسْتِحْلَالِ بَعْضِهِمْ أَكَلَ مَا يَأْتَمِنُهُمْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٣: ٧٥) وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ.

سَابِعُهَا - قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ الْإِصْرُ: الثِّقَلُ الَّذِي يَأْصِرُ صَاحِبَهُ؛ أَيْ: يَحْبِسُهُ مِنَ الْحَرَاكِ لِثِقَلِهِ، وَهُوَ مَثَلٌ لِثِقَلِ

تَكْلِيفِهِمْ وَصُعُوبَتِهِ نَحْوَ اشْتِرَاطِ قَتْلِ الْأَنْفُسِ فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْأَغْلَالُ مَثَلٌ لِمَا كَانَ فِي شَرَائِعِهِمْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الشَّاقَّةِ، قَالَهُمَا الزَّمَخْشَرِيُّ، وَذَكَرَ لِلثَّانِي عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْ شِدَّةِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَيْ أَنَّهُ جَاءَ بِالتَّيْسِيرِ وَالسَّمَاحِ كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ " وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمِيرَيْهِ مُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لَمَّا بَعَثَهُمَا إِلَى الْيَمَنِ: " بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُّوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا " وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. حَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا فِيمَا أُخِذُوا بِهِ مِنَ الشِّدَّةِ فِي أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ وَالْعُقُوبَاتِ كَالَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالًا يَئِطُّ مِنْهَا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُوثَقٌ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ فِي عُنُقِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى حِكْمَةَ أَخْذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالشِّدَّةِ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>