(فَصْلٌ فِي بَيَانِ بِشَارَاتِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا) بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ لَنَا ذِكْرُ بِشَارَاتِ كُتُبِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، بَعْضُهَا بِالْإِجْمَالِ، وَبَعْضُهَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ، وَفِي مَوَاضِعَ مِنَ الْمَنَارِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ فَهَارِسِهِمَا، وَنُرِيدُ هُنَا أَنْ نُفَصِّلَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا كَافِيًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَكَانُ الْمُنَاسِبُ لَهُ أَتَمَّ الْمُنَاسَبَةِ، فَنَقُولُ:
كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَتَنَاقَلُونَ خَبَرَ بَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَذْكُرُونَ الْبِشَارَاتِ بِهِ مَنْ كُتُبِهِمْ، حَتَّى إِذَا مَا بَعَثَهُ اللهُ - تَعَالَى - بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ، وَكَانَ عُلَمَاؤُهُمْ يُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ عُلَمَاءِ
الْيَهُودِ، وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى، وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ -، وَالرِّوَايَاتُ فِي هَذِهِ كَثِيرَةٌ، وَمِنْ أَعْجَبِهَا قِصَّةُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَأَمَّا الَّذِينَ أَبَوْا وَاسْتَكْبَرُوا فَكَانُوا يَكْتُمُونَ الْبِشَارَاتِ بِهِ فِي كُتُبِهِمْ. وَيُؤَوِّلُونَ مَا بَقِيَ مِنْهَا لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ، وَيَكْتُمُونَهُ عَمَّنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَرْبَى الْمُتَأَخِّرُونَ وَلَا سِيَّمَا الْإِفْرِنْجَ مِنْهُمْ عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ فِي الْمُكَابَرَةِ وَالتَّأْوِيلِ وَالتَّضْلِيلِ؛ لِذَلِكَ وَضَّحَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللهِ الْهِنْدِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِهِ (إِظْهَارِ الْحَقِّ) بِأُمُورٍ جَعَلَهَا مُقَدِّمَاتٍ لِبِشَارَاتِ تِلْكَ الْكُتُبِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَيْنَا أَنْ نَقْتَبِسَهَا بِنَصِّهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فِي سِيَاقِ مَسَالِكِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَصُّهُ: (الْمَسْلَكُ السَّادِسُ)
أَخْبَارُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ عَنْ نُبُوَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَلَمَّا كَانَ الْقِسِّيسُونَ يُغَلِّطُونَ الْعَوَامَّ فِي هَذَا الْبَابِ تَغْلِيطًا عَظِيمًا، اسْتَحْسَنْتُ أَنْ أُقَدِّمَ عَلَى نَقْلِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ أُمُورًا ثَمَانِيَةً تُفِيدُ النَّاظِرَ بَصِيرَةً.
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ
إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْإِسْرَائِيلِيَّةَ مِثْلَ: أَشْعِيَا وَأَرْمِيَا وَدَانْيَالَ وَحِزْقِيَالَ وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَخْبَرُوا عَنِ الْحَوَادِثِ الْآتِيَةِ، كَحَادِثَةِ بُخْتُ نَصَّرَ، وَقُورَشَ وَالْإِسْكَنْدَرِ وَخُلَفَائِهِ. وَحَوَادِثِ أَرْضِ أَدُومَ وَمِصْرَ وَنِينَوَى وَبَابِلَ، وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَلَّا يُخْبِرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ خُرُوجِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ وَقْتَ ظُهُورِهِ كَأَصْغَرِ الْبُقُولِ، ثُمَّ صَارَ شَجَرَةً عَظِيمَةً تَنْأَوِي طُيُورُ السَّمَاءِ فِي أَغْصَانِهَا، فَكَسَرَ الْجَبَابِرَةَ وَالْأَكَاسِرَةَ، وَبَلَغَ دِينُهُ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَغَلَبَ الْأَدْيَانَ وَامْتَدَّ دَهْرًا بِحَيْثُ مَضَى عَلَى ظُهُورِهِ مُدَّةَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ إِلَى هَذَا الْحِينِ، وَيَمْتَدُّ إِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute