شَاءَ اللهُ إِلَى آخِرِ بَقَاءِ الدُّنْيَا. وَظَهَرَ فِي أُمَّتِهِ أُلُوفٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَالْحُكَمَاءِ الْمُتْقِنِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ ذَوِي الْكَرَامَاتِ وَالْمُجَاهَدَاتِ، وَالسَّلَاطِينِ الْعِظَامِ. وَهَذِهِ الْحَادِثَةُ كَانَتْ أَعْظَمُ الْحَوَادِثِ وَمَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ حَادِثَةِ أَرْضِ أَدُومَ وَنِينَوَى وَغَيْرِهِمَا، فَكَيْفَ يُجَوِّزُ الْعَقْلُ السَّلِيمُ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنِ الْحَوَادِثِ الضَّعِيفَةِ وَتَرَكُوا الْأَخْبَارَ عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْعَظِيمَةِ! ؟
الْأَمْرُ الثَّانِي
أَنَّ النَّبِيَّ الْمُقَدَّمَ إِذَا أَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ الْمُتَأَخِّرِ لَا يَشْتَرِطُ فِي إِخْبَارِهِ أَنْ يُخْبِرَ بِالتَّفْصِيلِ التَّامِّ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْقَبِيلَةِ الْفُلَانِيَّةِ، فِي السَّنَةِ الْفُلَانِيَّةِ، فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ، وَتَكُونُ صِفَتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ يَكُونُ هَذَا الْإِخْبَارُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ مُجْمَلًا عِنْدَ الْعَوَامِّ، وَأَمَّا عِنْدَ الْخَوَاصِّ فَقَدْ يَصِيرُ جَلِيًّا بِوَاسِطَةِ الْقَرَائِنِ، وَقَدْ يَبْقَى خَفِيًّا عَلَيْهِمْ أَيْضًا لَا يَعْرِفُونَ مِصْدَاقَهُ إِلَّا بَعْدَ ادِّعَاءِ النَّبِيِّ اللَّاحِقِ أَنَّ النَّبِيَّ الْمُتَقَدَّمَ أَخْبَرَ عَنِّي، وَظُهُورُ مُصَدِّقِ ادِّعَائِهِ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَعَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَبَعْدَ الِادِّعَاءِ وَظُهُورِ صِدْقِهِ يَصِيرُ جَلِيًّا عِنْدَهُمْ بِلَا رَيْبٍ؛ وَلِذَلِكَ يُعَاتَبُونَ كَمَا عَاتَبَ الْمَسِيحُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عُلَمَاءَ الْيَهُودِ بِقَوْلِهِ: (٥٢ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ لِأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ مِفْتَاحَ الْمَعْرِفَةِ، مَا دَخَلْتُمْ أَنْتُمْ، وَالدَّاخِلُونَ مَنَعْتُمُوهُمْ) كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَابِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا، وَعَلَى مَذَاقِ الْمَسِيحِيِّينَ قَدْ يَبْقَى خَفِيًّا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا عَنِ الْعُلَمَاءِ، بَلْ قَدْ يَبْقَى خَفِيًّا عَلَى النَّبِيِّ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى زَعْمِهِمْ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا هَكَذَا ١٩ (وَهَذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا حِينَ أَرْسَلَ الْيَهُودُ مِنْ أُورْشَلِيمَ كَهَنَةً وَلَاوِيِّينَ، لِيَسْأَلُوهُ: مَنْ أَنْتَ؟ ٢٠ (فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ وَأَقَرَّ إِنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحُ) ٢١ (فَسَأَلُوهُ: إِذًا مَاذَا أَنْتَ إِيلِيَا؟ فَقَالَ: أَنَا لَسْتُ إِيلِيَا، فَسَأَلُوهُ: أَنْتَ النَّبِيُّ؟) فَأَجَابَ: لَا) ٢٢ فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينِ أَرْسَلُونَا مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟) ٢٣ (قَالَ أَنَا صَوْتٌ صَارِخٌ فِي الْبَرِّيَّةِ قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، كَمَا قَالَ أَشْعِيَا النَّبِيُّ) ٢٤ (وَكَانَ الْمُرْسَلُونَ مِنَ الْفِرِيسِيِّينَ) ٢٥ (فَسَأَلُوهُ وَقَالُوا لَهُ: فَمَا بَالُكَ تُعَمَّدُ إِنْ كُنْتَ لَسْتَ الْمَسِيحَ وَلَا إِيلِيَا وَلَا النَّبِيَّ؟
وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي لَفْظِ النَّبِيِّ الْوَاقِعِ فِي الْآيَةِ ٢١، ٢٥ لِلْعَهْدِ، وَالْمُرَادُ النَّبِيُّ الْمَعْهُودُ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْبَابِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْمَسِيحِيَّةُ، فَالْكَهَنَةُ وَالْلَاوِيُّونَ كَانُوا مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَوَاقِفِينَ عَلَى كُتُبِهِمْ، وَعَرَفُوا أَيْضًا أَنَّ يَحْيَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَبِيٌّ لَكِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَنَّهُ الْمَسِيحُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ إِيلِيَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوِ النَّبِيُّ الْمَعْهُودُ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ عَلَامَاتِ هَؤُلَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute